الخرطوم : أحمد جبارة
على نحو متوقع ، قررت مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، اعفاء 23 مليار من ديون السودان ، متعهدة بأنها ستكمل ذلك بمبادرات أخرى لتخفيف أعباء الديون ، وبحسب ، بيان مشترك حول السودان من- ديفيد مالباس وكريستالينا جورجيفا نيابة عن مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي – فإن هذا الإعفاء يعد اكبر تخفيض للديون تحصل عليه دولة واحدة طوال تاريخ المؤسستين ، مؤكدة أن ذلك جاء تقديراً للتقدم الجدير بالثناء الذي أحرزه السودان في مجال الإصلاح الاقتصادي ، متوقعة أن يكون الاعفاء بمثابة تحسين آفاقه الاقتصادية، بجانب أن يحد من الفقر، ويرفع مستويات المعيشة للشعب السوداني.
خطاب حمدوك
ما إن أعلنت مجموعة البنك الدولي عن إعفاء ديون السودان ، حتى سارع رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك بخطاب ، معلنا من خلاله وصول بلاده “نقطة القرار” فيما يتعلق بمبادرة الدول المثقلة للديون “هيبك”، لافتا إلى أنه عند الوصول لما يسمى “نقطة الإكمال”، سيحصل السودان على إعفاء نهائى من الديون يقدر بحوالى 50 مليار دولار.
*يوم تاريخي
حمدوك، فى خطابه والذي جاء فى وقت متأخر قال ، إن هذا القرار يمثل “يوما تاريخيا”، لافتا إلى ما ورثته الحكومة من خلل هيكلى فى الاقتصاد الكلي تمثل فى: عجز كبير فى الموازنة، واستدانة من النظام المصرفي، وخلل أساسي في سعر الصرف وتعدده، وعجز كبير في الميزان التجارى، وتركة مثقلة من الديون تقارب 60 مليار دولار ، وأوضح أن الحكومة عملت على إزالة تلك التشوهات تماما مع إصلاحات تشريعية وقانونية ما ساعد رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وإدماج السودان فى المجتمع الدولى، كما أصبحت علاقات السودان طبيعية مع دول العالم بعد أن كان معزولا ، وأضاف أن وصول السودان إلى “نقطة القرار” فيما يتعلق بمبادرة الدول المثقلة للديون “هيبك”، تم في غضون ستة أشهر، وهى تعتبر أقصر مدة للوصول إلى نقطة القرار للاستفادة من المبادرة، وهو الامر الذي يعكس جدية الحكومة التي وضعت برنامجا متكاملا للإصلاح تضمن إستراتيجية للحد من الفقر .
*تأهيل السودان
كذلك أوضح حمدوك في خاطبه ، أن ديون السودان المتوقع إعفاؤها خلال عام من اليوم، تعادل 40% من جملة الديون التي تم إعفاؤها لعدد 38 دولة فقيرة، معتبرا أن هذا يمثل أكبر عملية إعفاء على مر تاريخ المبادرة ، بجانب أقصر مدة زمنية ممكنة ، وقال حمدوك ، إن نقطة القرار تسمح للسودان كدولة مؤهلة لتلقى التمويل من أجل المشاريع التنموية، بالانخراط فورا مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنك التنمية الافريقي، لافتا إلى أن السودان قام بتصفية متأخراته المستحقة لهذه المؤسسات المالية الدولية والتي تقدر بأكثر من ثلاثة مليارات دولار، وسيبدأ الآن عملية إشراك الدائنين في تقديم إعفاءات الديون ، وأشار إلى أن ديون السودان كانت حتى نهاية العام 2020 تُقدر بحوالي 60 مليار دولار منها ما يقدر بـ 92% عبارة عن متأخرات، مستدركا ، لكن هذا الدين غير مستدام، حيث أعلن صندوق النقد والبنك الدوليين أن السودان مؤهل لإعفاء الديون بموجب مبادرة “هيبك” .
*هدف “الهيبك”
وتابع ، أن مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون تهدف إلى تخفيف أعباء الديون للسماح للسودان بتوجيه الأموال لتحسين حياة الشعب السوداني بدلا عن أن تُنفق على سداد الديون وذلك من أجل الحد من الفقر وتحقيق النمو والتطور التنموي المنشود ، وأكد أن وصول السودان لنقطة القرار هو بداية العملية، وكشف عن أن الاسابيع القادمة سيتواصل السودان مع الدائنين من نادي باريس وكذلك الدائنين من خارج نادي باريس والدائنين التجاريين، وعند الوصول لما يسمى “نقطة الإكمال”، سيحصل السودان على إعفاء نهائي من الديون يقدر بحوالي 50 مليار دولار ، وأشار إلى أن الديون كانت هي المانع الرئيسي للسودان من المشاركة والتفاعل مع شركاء التنمية المالية الدولية والاستفادة منها، موضحا أنه بهذا القرار استعاد السودان حق التصويت في صندوق النقد الدولي والذي علق منذ أغسطس عام 2000 ، وقال إن الفائدة المباشرة من الوصول إلى “نقطة القرار” الخاصة بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون، هي حصولنا على منح وقروض جديدة، حيث يفتح القرار الطريق للسودان للحصول على حوالي 4 مليارات دولار، منها مليارا دولار عبر صندوق التنمية العالمي توجه للصرف على الكهرباء والمياه والخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والنمو الاقتصادي ، وأكد أن حكومته ستركز على الوصول إلى نقطة الإكمال للإعفاء النهائي للديون، وهو أمر يتطلب مجهود إضافي من الجميع.
*فائدة الإعفاء
تباينت الرؤى وأختلفت التحليلات حول إعفاء ديون السودان ، ففي الوقت الذي اعتبر فيه البعض أن الإعفاء خطوة مهمة وأنها تقود إلى تخفيف ديونه ، رأى البعض الاخر أن ذات الإعفاء يفتح مجالات التعاون مع البنوك و المنظمات الدولية ، وبين هذا وذاك ، يقول الخبير الاقتصادي هيثم محمد فتحي في حديثه (للجريدة) : إن مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (الهيبك) تقلل القيود المفروضة على النمو الاقتصادي والحد من الفقر التي يفرضها عبء خدمة الدين ، وأضاف ، كان من المفترض أن يكون السودان ضمن هذه الدول التي يعفى ديونها منذ وقت بعيد ، لكن واشنطن اعترضت بسبب وجود السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، وبالتالي أصبح الوضع الآن مختلفاً عن السابق، وتم إلغاء العقوبات الاقتصادية الأميركية التي كانت حجر عثرة في تعامل البلد مع المجتمع الدولي ومؤسساته المالية ، واردف ، بعد إعفاء الديوان سيكون هناك اتفاق بين حكومة السودان الانتقالية وصندوق النقد الدولي لتنفيذ خطة وبرنامج لمدة عام وبعدها يستطيع السودان طلب مساعدات عبارة عن منح وقروض لتنفيذ مشروعات تنموية إلى جانب إعفاء ديونه المتصاعدة ، وتوقع فتحي أن يكون هنالك دعم إقليمي ودولي للإقتصاد السوداني ، بجانب رفع قدرات الدولة التنموية، والذي يعد بحسب فتحي من أهم شروط الاستقرار السياسي في السودان لاسيما أن مستويات الفقر أصبحت واسعة، حيث لا يتخطى دخل الفرد ٥٩٠ دولارًا سنويا، وتابع ، كذلك بعد إعفاء الديون فإن السودان سيكون واحد من اثنتين فقط من الدول المؤهلة المتبقية (والدولة الأخرى هي إريتريا) والتي لم تبدأ بعد عملية تخفيف عبء الديون في إطار مبادرة الهيبك .
خطوة مكملة
عضو اللجنة الاقتصادية بقوى الحرية والتغيير عادل خلف الله يؤكد (للجريدة) أن خطوة إعفاء الديون تؤهل السودان للتعامل مع المؤسسات المالية العالمية ، بجانب إنه سيستفيد في مجالات التدريب لاسيما في مجالات المصارف والتعليم ، مشددا بعد هذه الخطوة على ضرورة خفض الانفاق الحكومي ، والاعتماد على الموارد الذاتية .
فيما اعتبر الخبير الاقتصادي معتصم الاقرع خطوة “الهيبك” بأنها ستسهل الحصول على بعض الدعم من البنك الدولي ، لافتا إلى إنه حتى الان لم يتم اعفاء الديون بالكامل والذي يرى إنه سيكون في المستقبل ، وقطع بأن الديون لن تحل مشكلة إختلال الاقتصاد الكلي لجهة إنه لم يوجد دعم خارجي للموازنة ، كما إنه قال لن تغيير الظروف المعيشية وتحسن الدخل ،لافتا إلى إنه ستظل هنالك تحديات للإقتصاد كما كانت عليه ، ولتجاوز هذه التحديات يشدد الاقرع في- منشور له على الفيس بوك- على ضرورة تشجيع الانتاج وإزالة كوابحه ، وتابع ، من المؤكد ان وعود المانحين بتخفيف الديون صادقة ولكنها مشروطة بتنفيذ برنامج صندوق النقد لفترة طويلة ومن المؤسف أن نضطر ان نشرح ان هناك فرق بين اعفاء آني للدين وبين التقدم تجاه تخفيفه في المستقبل بعد استيفاء شروط ، واردف ، كذلك من المهم ملاحظة ان السودان قد توقف لحد كبير عن سداد الديون منذ ثمانينات القرن الماضي وهذا يعني ان الاعفاء في الحقيقة هو شطب صفوف مديونيات من دفاتر الحسابات. ولا جدال في أهمية الاعفاء الا انه لا يعني عودة الحياة في شرايين الاقتصاد المتيبسة من سوء الادارة قبل شح المال.
خطوة مهمة
بدوره ، قال رئيس بعثة الأمم المتّحدة المتكاملة لدعم الانتقال في السودان “يونيتامس”، فولكر بيرتس ان موافقة صندوق النقد الدولي على انضمام السودان الى مبادرة البلدان المثقلة بالديون (هيبك) ووصوله لنقطة إتخاذ القرار بنجاح، خطوة مهمة تقود الى تخفيف ديونه ، واشار في تغريدة له على “تويتر” إلى ان ذلك يفتح مجالات التعاون مع شركاء التنمية والتمويل لدعم التنمية الشاملة ومكافحة الفقر وزيادة الاستثمارات.
كذلك ، رحبت وزارة الخزانة الأمريكية بإعلان صندوق النقد الدولي، إعفاء السودان من متأخرات بقيمة نحو 1.4 مليار دولار، وهو الامر الذي اعتبرته إنه يمهد الطريق للمرحلة الأولى من تخفيف أعباء الديون في إطار مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون ، وفيما تعهدت وزارة الخزانة في بيان لها ، بالإسهام بما يصل إلى 120 مليون دولار في شكل منح، لتمويل إعفاء صندوق النقد الدولي من ديون السودان في المرحلة الأولى بموجب المبادرة ، أشارت في ذات الوقت إلى أن السلطات السودانية ملتزمة بتنفيذ إصلاحات اقتصادية صعبة، مستدركة ، ولكن رغم صعوبتها فإنها ضرورية لإنتقال البلاد إلى الحكم الديمقراطي، بجانب توحيد سعر الصرف وتعزيز الحوكمة والشفافية ، وأكدت أن الولايات المتحدة كانت من أوائل المدافعين عن السودان لتطبيع العلاقات مع المؤسسات المالية الدولية، ومساعدته في الحصول على إعفاء من الديون.
التعليقات