*** في التسعينات هاجمت الجيوش السودان عبر حدود يوغندا وكينيا واثيوبيا وارتريا ووصلت الحرب الدمازين وكسلا ومع ذلك كانت قاعة الصداقة تعرض مسرحية “المهرج” والمسرح كامل العدد.

نداءان مشهوران.. الأول من قائد ثاني الدعم السريع في خطاب مصور شهير بدايات الحرب قال( يا برهان بتحاربنا ليه..) و سرت في الوسائط لتصبح مقولة تستخدم عند الشدائد.. وقبل يومين اضيف لها نداء جديد مع الفارق في التوقيت والتوصيف (يا برهان تعبنا)..

في زيارة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان إلى المناطق المتأثرة بالسيول والأمطار في ولاية نهر النيل، وبينما يقف مستمعا لشرح عن الحال من أحد رموز المنطقة، صرخت إمرأة بوجع وألم شديد (يا برهان تعبنا).. ثم أردفت النداء برجاءات كلها تستمطر الرأفة بحال المواطن الذي أعطى ولم يستبق شيئا..

توسلات المرأة عَبَّرت عن الغالبية الصامتة الصامدة من الشعب السوداني التي لا تتجزع من الحال بقدر ما تريد أن تعرف-ومن حقها- إلى أين يسير الحال، فلو صارحهم البرهان وطلب منهم شد المئزر لسنوات عجاف قادمات ربما ما توانوا، لكن أن يكون حال البلد صندوق أسرار مغلق من الجانب الذي يواجه الشعب ومفتوح على مصراعيه من كل الاتجاهات الأخرى التي تطل على الخارج، فهنا يصبح المواطن (مظلوم مرتين) على رأي الشاعر التجاني الحاج موسى في رائعة محمد ميرغني (تباريح الهوى).

السودان يحترق بنيران الحرب ويغرق بالسيول والأمطار ومع ذلك يظل دولة بلا حكومة، يتولى السيد البرهان ادارتها من أخمص قدميها إلى قمة شعرها بلا جهاز حكومي و لا مؤسسات ترعى المواطن و توفر له مظلة رسمية تضمن مصالحه.

المواطن لا يخشى دفع ثمن الحرب التي فُرِضت عليه من جانب قوات الدعم السريع، ولا سبيل غير ذلك لتأمين مستقبل مشرق للدولة السودانية، ويثق المواطن في جيشه أيما ثقة، ويدرك أن النصر آت لا محالة، لكن في المقابل فإن ادارة الشأن المدني أمر آخر، وطالما أن البرهان يرى أن المعركة قد تستمر 100 سنة كما قال في احدى خطبه فلا بد من دولة قادرة على احتمال مؤازرة جيشها و دعمه بحماية ظهره و توفير حياة طبيعة للمواطن الذي هو عماد الدولة.

السيدة التي صرخت (يا برهان تعبنا) لا تقصد تعبنا من الحرب، بل تعبنا من ظهرنا المكشوف بلا حكومة، التعليم العام متوقف والأطفال في البيوت مشروع “فاقد تربوي” هائل، والجامعات هاجرت تبحث عن ملاذات آمنة في دول أقل منا من حيث المساحة والامكانيات والموارد، و حوالي 12 مليون سوداني مشردون داخل الوطن و 4 مليون لاجئون لا يعرفون متى يعودون إلى وطنهم.

رغم نقمة الشعب على عهد نظام الانقاذ لكن لا أحد ينكر أنه حينما انفتحت جبهة عسكرية بكامل حدود السودان مع يوغندا و كينيا واثيوبيا وارتريا، وكان الجيش يحارب بضراوة في واحدة من أصعب الظروف التي مر بها في ظل حصار عالمي يمنع حصوله على الأسلحة، كان المواطنون في جميع أرجاء الوطن يعيشون حياتهم الطبيعية.. وسكان العاصمة الخرطوم يقضون أمسياتهم في مسرح قاعة الصداقة يستمتعون بمشاهدة مسرحية “المهرج” لفرقة الأصدقاء، رغم كل شيء كانت هناك دولة وكانت هناك حكومة..

الآن السودان يقف في العراء تماما، مكشوف الظهر لا يعلم أحد لماذا يصر مجلس السيادة على تعطيل مؤسسات الدولة وهياكلها الدستورية الأساسية، فلا حكومة ولا مجلس تشريعي و مؤسسات العدالة العليا مثل مجلس القضاء ومجلس النيابة والمحكمة الدستورية..
لسان حال الشعب كله، هو صوت تلك المرأة..( يابرهان تعبنا) من دولة بلا حكومة ولا مؤسسات..

التعليقات