من أكبر عيوب الشخصية السودانية التباهي والتغزل بالذات؛ فنحن الشرف الباذخ وحماة الإسلام، ونحن اهل الكرم والشهامة وفرسان الحوبة، ونحن من سلخنا النملة، و”البدور الدم يجي عندنا”، وحتىمقياسنا للكرم مختل، لأنه في أغلب الأحيان يتمثل في كمية الطعام التي يقدمها شخص لضيوفه، ونقرأ بإعجاب حكاية البدوية “الضكرانة” التي ذبحت العنزة الوحيدة التي كانت تطعم منها طفليها لضيوف، فقد ورثنا العنتريات اللفظية من شعراء الجاهلية، كما ورثنا عنهم البكاء على زمن افتراضي قديم “جميل”، ولهذا فزعماؤنا السياسيين الذين رحلوا عن الدنيا كانوا قمما شوامخا، ولو سألت مائة ألف شخص ماذا أنجز أولئك لما حاروا جوابا، وعطفا على ذلك نزعم اننا أصحاب ثلاث ثورات شعبية ناجحة “لأننا نتحلى بالوعي السياسي”، ولكن نظل كعهدنا منذ الاستقلال نفاضل في امر من يقودنا بين البغل والحمار، أو الضبع والسبع
ومن حقنا ان نتباهى بأننا متكافلون الى حد كبير، ولكن المبالغة في التكافل تسببت في وجود تنابلة في معظم البيوت لا يعملون ولا يبحثون عن العمل و”ماكلين وشاربين” وفي منتهى القيافة، وعندهم أرصدة متلتلة تعينهم على تمضية الوقت على هواتف أكثر منهم ذكاء
نحن قوم لا نحترم العمل العام والمال العام، ولا نحترم المواعيد، ونتواعد على اللقاء “بعد صلاة الظهر” و “ثاني أيام العيد”، ومن عجيب امرنا اننا نتباهى بالزوغان من العمل والتهرب من الضرائب، ويحلو لنا ان نشتكي من فساد كبار رموز الحكم، ولكن معظمنا ضالعون في الفساد بعد ان صارت الرشوة أمرا روتينيا مثل طابع الدمغة لإنجاز المصالح فالمرتشي فاسد والراشي مفسد
ونحسب أنفسنا أكثر المسلمين تمسكا بتعاليم الإسلام، ولكن اسلام كثيرين منا لا يمنعهم من تصديق الدجالين وممارسة طقوس وثنية، أو الإيمان بان شيخ فلان يكشف المستور ويمنع المقدور، وإذا فشل أحدنا في امر ما فلا يعزو فشله لقصور أو تقاعس منه، بل للعين الحاسدة، وهكذا فان كل تلميذ يرسب وكل مدمن للمخدرات والخمر وكل مقامر يفلس مصاب بالعين
ونتباهي باننا احفاد ترهاقا وبعانخي وكنداكات الدولة النوبية وكوش، و”نحن أبناء ملوك الزمان توجوا الفونج وزانوا كردفان” ثم تبحث عن أثر لإنجاز حضاري خلال الألف سنة الأخيرة، ينقلب اليك البصر خاسئا حسيرا، ويفاخر بعضنا بعضا بالنسب والقبيلة، بينما ننبذ العنصرية باللسان ولكننا نقسم الناس الى “عبّادة” واولاد عرب، و”نستخسر” في الأفريقي القح كامل السواد حرف الدال، ولا نقول عنه “عبد” بل “عب”، أما ذات الأصول الأفريقية الخالصة فهي “خادم”؛ ومنا من يعود بأصله الى الحجاز وتحديدا الى البيت الهاشمي، ولكن مع تفادي أبو لهب (وهو عبد العزى بن عبد المطلب، عم النبي)، وعندنا أحفاد الصحابة ولكنك لن تجد من يزعم انه حفيد بلال او صهيب أو سلمان الفارسي
وفيروس الفشخرة والمنظرة يجعل الزواج عندنا كارثة اقتصادية فباعترافنا يتسبب في نفض الكيس (الإفلاس) وختان الأولاد يتطلب أيضا الهيلمان والطيلسان، والفرحة بقدوم مولود جديد يشوبها هم وغم، يتصل بتغيير الستائر والمفارش ونحر الذبائح
رحم الله امرؤً أهدى اليّ عيوبي، والاعتراف بالعلة نصف الطريق الى علاجها

التعليقات