قلنا لهم أن ثورة ديسمبر هي البداية الصحيحة لبناء وتكوين مشروع وطني عريض بشروط الثورة وبمزاج السودانيين من كل جهاته في لحظات الموهبة والتبديع ,فالإنتصار و الهزيمة لا يتباريان الي نهاية الدنيا ولابد من طريق يرسمه الناس نحو استقرار ممكن ليته يلتقي عند الوسط , المكان الذي تنتهي فيه محنة الشموليات بوجهات نظر مختلفة لأنها أصيلة و طبيعية و حرة من قيود الحلول النهائية
كان لابد للإنقاذ أن تسقط بإنتفاضة وثورة شعبية وهذا أقسي عقاب يعيشه الصف الأول من الإسلاميين الذين كانوا يراهنون علي سلامة تفاصيل المشروع الحضاري كمشروع وطني يستطيع جمع السودانيين تحت لافتة الاسلام السياسي , وجاء دورهم في المراجعات الكبيرة حول (أصل الفكرة) أين حصل الخطأ (لهم) وكيف تواثقوا مع الأوهام وقد كانوا(وتلك أمانة لابد منها) كانوا واثقين بالصباح والإنتصار والي هذه الدرجة لابد من فحص دقيق لكل المقولات المثالية لنفهم سويا (محنة الشموليات) ولماذا كانوا علي ثقة بالصباح ولابد أن يعترفوا بأن الحركة الاسلامية نبعت غريبة عن المزاج العام أنئذ , محتجة وصفوية وربما ردة فعل , حتي نفهم سويا المغزي الذي أحترق بسبب التفاصيل و الحركة الاسلامية كانت حاكمة بكل المعاني لابد أن تجاوب علي الاسئلة , من أين جاءت و لماذا بدأت خاصة ومحتجة , هل هم المضطهدون بسبب الطائفية , هل هم ردة فعل المستعمر القديم اتراك مصرين وانجليز , من فكر أولا , وكيف بدأت الامور داخل أذهانهم و وجدانهم , هل للخيال والتربية والثقافة والتعليم حظا في الاجندة الأولي , المنفستو , الرجال التاريخ والجغرافية الاعراق والجهويات طبيعة المشروع وإصول الفكرة وكيف تسللت الأوهام في دهاليز الحركة من الرموز الي الجماهير النوعية , وهل للإسلام السياسي حجة عاطفية هي عمود النص الذي تنكر له الجميع في البلد الذي أريد إعادة صياغته , وهل ثمة فرص فاتت علي الحركة الاسلامية أن تكون جزء من المجتمع السوداني الذي كان يعيش ببساطة في ربوع السودان , الربوع الذي أنجب من يغني عزة في هواك وبناديها ليرقص الجميع إلا أصحاب المشروع الحضارئ الذي أندثر بثورة شعبية والسؤال مرة أخري , من أين جاءت افكار الاسلام السياسي في أول بادرة وتجليات , هل هي خاطرة معقدة وهي تبرز بذلك الثبات وتلك الثقة , ومن وضع لبنات الفكرة الاساسية , ما هي خلفيته وظلاله وما الغريب فيها وكيف تحدت التفكير السائد وقدمت رؤية ساحرة وذات جاذبية ملئية بالتجريب والمغالطات , عن التحرر والانعتاق والتطور , وربما من هنا تحديدا نكتشف , من أين اتوا هؤلاء , ليس بالضبط ذلك السؤال القاتل الذي طرحه الطيب صالح في مفترع التسعينات بل بذات البساطة لفهم المحتويات بداخل صندوق الحركة , ذهن و عقل واحلام , وكان الطيب صالح يدافع عن نفسه بكونه لا يشبه مصطفي سعيد ابدا ويقول , مصطفي رجل بلا جذور وانا لي أهل وجذور

من هنا فقط نعيد النظر في محتويات الحركة الاسلامية كوادر ولغة وتفكير , مسار واحلام , من هؤلاء مرة أخري؟ لنفهم اسرار التعصب وعمق الايمان بالخطاء نحو الأخرين والتشكيك في محتوياتهم الوطنية وتفكيرهم , وانهم لا يعرفون الحقيقة عن أنفسهم لياتوا بفكرة(الإسلام السياسي) ومازلت أتذكر كيف رسم توفيق الحكيم أزمة المجتمع المصري علي أيامه , كان يحب عبدالناصر جدا وسمي عهده بعودة الروح , وكان مبروك صبئ بالبيت يستلم مصروف اسرة مصرية مكونة من موظف وعواطليه وفتاة عانس , اسند الأمر أخيرا لمبروك , وكانوا في يوم الجمعة اجازة و جوعي ينتظرون عودته من السوق , فدخل عليهم مبروك بلا طعام يرتدي نظارات سوداء جميلة أشتراها بميزانية الفطور , وبالرجوع لسيرته كان مبروك مغبون من العمدة الذي راه يصفع جده ذات يوم وهو يرتدي نظارة سوداء وهكذا تعطش لرجل عظيم له سلطان كتعويض عن الاهانة , ولا نقول عن الحركة الاسلامية انها مثل مبروك ومع ذلك فيها شيئا من طبيعة الأزمة والصحيح أن كوادر الحركة مع التمحيص , نجد مظللة بحكايات من دنيا مبروك

… طبعا…
نحن في زمن التعافي ولابد من إبراز موقف الاسلاميين من الإنحناء للثورة والتغيير بإشادة وأعتبار لو تأملنا مشهد المقاومة مشهدا صداميا والدماء تسيل كما أخبرني في حوار منشور تحت بريق المواكب الهادرة قال لي الاسلامي أحمد عبد الرحمن بان علي الإسلاميين أن (يسردبوا) وهو من أكثر الاسلاميين (تفهما) لأخطاء الحركيين وربط نفسه مبكرا بعلاقات متنوعة من كل الاصناف وصار في موقف (المهادن) عاد الرجل مندهشا الي تلك اللحظة في أوائل الخمسينات حينما زاره الراحل الترابي قادم من باريس الي هولندا , و طلب منه التوجه للسودان بدلا عن السعودية , شاهدته حزينا يعيد تلك اللحظة علي هدئ تفكير اخر يشبه العودة الي (طبائع الإمور) بعد أن خاض مع الحركة ومشي كل الدهاليز معها مخلصا للفكرة والرجال والهدف صار مهادن ولم يقل للإسلاميين أن يسردبوا إلا من موقف قديم متداعي منه ومثله كثر وربما تيار عريض أختفي بسرعة وأنسحب هاربا من الإنقاذ المنحرفة والمستبدة و الشمولية ذات الأطوار الغريبة بعد أن قتلت واحد من أصدق أبنائها (علي فضل) وفكرت في إغتيال حسني مبارك , فشلت في شق ترعتي كنانة والرهد ونجحت في بناء جهاز مخابرات منيع متواسع ومعتدي أثيم , صادر الحريات وسجن المجال السياسي في مجري صغير , وتلك الإنقاذ فشلت في إنجاح مشروع صغير(سندس الزراعي) وأسست منظومة الدفاع الأمني خرافة إقتصادية وسط خراب استراتيجي في السكة حديد ومشروع الجزيرة والميناء الوحيد وخلقت بدلا عن الوئام المنتظر خلقت حرب أهلية في دارفور والمنطقتين ثم فصلت الجنوب مع توهان ليس له مثيل ومع كل هذه الخسارات أنجز الشعب السوداني ثورة مظفرة وضعت التاريخ في بداية جديدة , فكيف حال الاسلاميين في نسخة الهزيمة , كيف يفكرون في مستقبلهم بعد درس في قامة ثورة شعبية ضدهم

لابد من مجال للعودة بهم للمسرح مع مزاج البلد و لابد من الحديث بصراحة عن تحديات الفترة الإنتقالية بجانب تصفية التمكين بكل أنواعه , ترتيب الساحة السياسية وفقا لروح ومبادئ ثورة ديسمبر , وتبني مشروع عريض مشيد علي الحرية والعدالة والسلام تنجزه القوة الحية والكوادر المبدئية بتفعيل الوعي الإفتراضي والمثالي عملا وسلوكا سياسيا لنبني أول مدماك في مرحلة بناء نظام ديمقراطي مستمر بمؤسسات دولة القانون والمواطنة ولأن الحكم إقتصاد لابد من تفعيل دورة الإنتاج ترابطا مع تحرر الإنسان السوداني بتفسير ثورة ديسمبر من الجميع كلا حسب موقعه وموقفه بأداء يليق بالتغيير المعلن

بدأ الإسلاميون مجروحين وباهتين باللون الأصفر يدقون باب التغيير وقد أنتهي مفعول الزحف الأخضر وكان الشتات المأسوف عليه في جسم الحرية والتغيير يعطيهم أمل محدود , ذلك التجمع العريض الذي كان ومازال يمثل إنجاز حقيقي لربط الطيف السياسي علي الحد الأدني والتحالف (حرية وتغيير) متطورا الي كتلة إنتخابية منسجمة بقوة النقاش والشفافية وأن زمن الغتغتة والدسديس فعلا قد أنتهي يدعمه حراك منقطع النظير فالكل نفض الغبار منه وأستعد يدق ذات التربيزة من أجل حقوقه
لابد أن ينسي الإسلاميين نسختهم القديمة و يكفي أن رموزهم الرفيعة وراء القطبان متهمة بأمر ثورة شعبية حول جناية الإنقلاب العسكري في 89 , ومع نسيانهم يبدأ التصحيح , الف تحية وسلام للنسخة المقبورة , يبحثوا لهم عن برنامج مناسب يعيش مع التحول العميق الذي يتجلي مع تنشيط شامل من الهامش لإنتاج مركز يليق بالثورة والتغيير , فالتسجيل الذي تم توزيع من علي كرتي وهو مطلوب للعدالة ثم نفيه بسرعة والحملات المنظمة ضد الفترة الإنتقالية ومهما فشلت هذه الحكومة فلن تثمر النتائج المرجوة لهم بخطوة في أرض أحلام مستحيلة بل ستؤخر فتح الباب أمامهم

التعليقات