ﻓﻲ ﻭﺍﻗﻌﻨﺎ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ – ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺰﺍﻝ ﻣُﻀَﻤّﺨﺎً ﺑﺮﺍﺋﺤﺔ ﺩﻣﺎﺀٍ ﺯﻛﻴﺔٍ ﺭﺍﻋﻔﺔٍ ﺑﺎﻟﺤﺮِّﻳﺔ ﻭﺍﻟﺴّﻼﻡ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ – ﻳﻈﻞُّ ﺍﻟﺸﻬﺪﺍﺀُ ﺃﺟﺪﺭ ﺑﺎﻟﺤﺐِّ ﻭﺍﻟﻮﻓﺎﺀِ ﻣﻦ ﺳﻮﺍﻫﻢ، ﻭﺗﻜﻮﻥ ﻗﺒﻮﺭﻫﻢ ﺃﺟﺪﺭ ﺑﺎﻟﻮﺭﻭﺩ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﺍﻟﻌﺸﻘﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﺠﺪّﺩ ﻣﻊ ﺯﻳﺎﺭﺓ ” ﻓﻠﻨﺘﺎﻳﻦ ” ﺍﻟﺴّﻨﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﻋﺸﺮ ﻣﻦ ﺷﻬﺮ ﻓﺒﺮﺍﻳﺮ .. ﻭﻫﺬﺍ ﻟﻴﺲ ﺍﻋﺘﺮﺍﺿﺎً ﻋﻠﻰ ﺗﻘﻠﻴﺪٍ ﻳﺤﺘﻔﻞُ ﺑﺎﻟﺤﺐِّ ﺑﻴﻦ ﺭﺟﻞٍ ﻭﺍﻣﺮﺃﺓ، ﺑﻘﺪﺭ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺗﺠﺎﻭﺯٌ ﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺤﺐِّ ﺍﻟﻀﻴﻖ ﻭﺩﻓﻊٌ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﻨﺎﻩُ ﺍﻟﻮﺍﺳﻊ ﺍﻷﺳﻤﻰ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ .. ﻓﺎﻟﺤﺐُّ ﻫﻮ ﺭﺣﻴﻖ ﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺠﻠﻰ ﻓﻲ ﻋﺎﻃﻔﺔٍ ﻋﻤﻴﻘﺔ ﺗﺸﻤﻞ ﺍﻟﺸﺮﻛﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﺗﺸﻤﻞ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﻭﺍﻷﻭﻃﺎﻥ .. ﻭﻫﻮ ﺍﻹﻗﺒﺎﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺑﻤﺎ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﺄﺷﻮﺍﻕ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻟﻠﺤﺮِّﻳﺔ ﻭﺍﻟﺴّﻼﻡ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﻭﻛﻞ ﻣُﻘَﻮِّﻣﺎﺕ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ .
ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺍﻷﻛﺒﺮ ﻭﺍﻟﻜﺒﺮﻳﺖ ﺍﻷﺣﻤﺮ ﻣﺤﻴﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ : ” ﻛﻞ ﺣﺐٍّ ﻻ ﻳﻔﻨﻴﻚ ﻋﻨﻚ ﻻ ﻳُﻌَﻮّﻝُ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﻛﻞ ﺣﺐٍّ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻌﻪ ﻃﻠﺐٌ ﻻ ﻳُﻌَﻮّﻝُ ﻋﻠﻴﻪ ” .. ﻓﺎﻟﺤﺐُّ ﻫﻮ ﻃﻬﺮ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻣﻦ ﺳﺨﺎﺋﻤﻪ، ﻭﻫﻮ ﺍﻹﻳﺜﺎﺭ ﻭﺍﻟﻌﻄﺎﺀ ﺑﺪﻻً ﻋﻦ ﺍﻟﻄﻤﻊ ﻭﺍﻻﺳﺘﺤﻮﺍﺫ، ﻭﻫﻮ ﺣﻔﺎﻭﺓٌ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺩﻋﻮﺓٌ ﻟﺴﻤﻮﻩ ﻭﻧﻘﺎﺋﻪ ﻭﺻﺪﻗﻪ ﻭﺷﻔﺎﻓﻴﺘﻪ .. ﻫﻮ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﺍﻟﻔﻀﺎﺋﻞ، ﻭﻣﻼﺫ ﺍﻟﺸﺮﻓﺎﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻘﻮﻁ ﻓﻲ ﺃﻭﻗﺎﺕ ﺍﻹﻧﺤﻄﺎﻁ .. ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﺍﻟﻌﺎﻃﻠﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﺐِّ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺪﻓﻊ ﺃﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ﻟﻠﺴﻘﻮﻁ ﻭﺍﻻﻧﺤﻄﺎﻁ ﻭﺍﻟﺨﻴﺎﻧﺔ .
ﻻ ﻳﺴﻜﻦ ﺍﻟﺤﺐُّ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻓﻘﻂ، ﺑﻞ ﻫﻮ ﻛﺎﻣﻦٌ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻴﻨﻴﻦ، ﻳﺘﺒﺪّﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﻭﻳﻠﻮﺡ ﻓﻲ ﻗﺴﻤﺎﺕ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﻭﺍﻹﺑﺘﺴﺎﻣﺎﺕ .. ﻭﻫﻮ ﻳﺴﺮﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻠﻮﻙ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﻣﻠﺔ، ﻭﻳﻨﺎﻡُ ﻋﻠﻰ ﻭﺳﺎﺩﺓٍ ﻣﺤﺸﻮّﺓٍ ﺑﺎﻟﺸﻮﻕ ﻭﺍﻟﺤﻨﻴﻦ ﻭﺍﻷﺣﻼﻡ .
ﻓﻲ ﺇﺣﺪﻯ ﺭﻭﺍﻳﺎﺗﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺘﺒﻬﺎ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ، ﻳﺤﻜﻲ ﺁﺭﻧﺴﺖ ﻫﻤﻨﻐﻮﺍﻱ ﻋﻦ ﺿﺎﺑﻂٍ ﺟﺮﻳﺢٍ ﻭﻗﻊ ﻓﻲ ﺣﺐِّ ﻣﻤﺮﺿﺘﻪ ﻭﺗﺴﻠّﻞ ﻣﻌﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ ﺇﻟﻰ ﺟﺒﺎﻝ ﺍﻷﻟﺐ ﻓﺮﺍﺭﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻭﻭﺍﻗﻌﻬﺎ ﺍﻟﺬﻣﻴﻢ، ﻟﻜﻦّ ﺍﻟﻤﻤﺮﺿﺔ ﻭﺟﻨﻴﻨﻬﺎ – ﺍﻟﻨﺎﺗﺞَ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﺐِّ ﻭﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻪ – ﻳﻤﻮﺗﺎﻥ ﻓﻲ ﻣﺨﺎﺽ ﺍﻟﻮﻻﺩﺓ .. ﻛﺄﻥّ ﻣﺆﻟﻒ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺔ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﺆﻛﺪ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓَ ﻭﺍﻟﺤﺐّ ﻣﺴﺘﻬﺪﻓﺎﻥِ ﻓﻲ ﺯﻣﻦ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻭﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ .
ﻟﻜﻦ، ﺑﺮﻏﻢ ﺍﻟﺴّﺎﺩﻳﻴﻦ ﻣﻦ ﻋُﺸّﺎﻕ ﺭﺍﺋﺤﺔ ﺍﻟﺪﻡ ﻭﺳﻤﺎﺳﺮﺓ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ، ﺗﺒﻘﻰ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﻳﺒﻘﻰ ﺍﻟﺤﺐُّ ﻋﺎﻓﻴﺔً ﻟﺮﻭﺡ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ .. ﻓﻠﻨﻮﺩِّﻉِ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻭﺍﻟﻘﺘﻞ، ﻭﻟْﻨُﺨْﺮِﺝِ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﻣﻦ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ ﻭﻟﻨﻄﺮﺩﻫﺎ ﻋﻦ ﺃﺭﺿﻨﺎ ﻭﻟﻴﺬﻫﺐْ ﺻﺎﻧﻌﻮﻫﺎ ﻭﻋﺮّﺍﺑﻮﻫﺎ ﻟﻤﺰﺑﻠﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ، ﻭﻟﻨﺰﺭﻉْ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ ﺍﻟﺤﺐّ ﻭﻓﻲ ﺃﺭﺿﻨﺎ ﺍﻟﺴﻼﻡَ ﻭﺍﻟﻤﺴﺮّﺓ .
ﺟﻮﺑﺎ – ١٤ ﻓﺒﺮﺍﻳﺮ ٢٠٢٠

التعليقات