بين الحروف
بقلم : عمر دمباي
(أنا غايتو الكورونا دي عاجباني)، تلك المقولة التي خرجت من فم واحدة من حبوباتنا الكبار، بعد أن توهطت على مقعد الحافلة بكل يسر وسهولة، في تلك الأثناء قهقه الجميع، وارتفعت الضحكات، والتفت كل من سمع الكلمة ليرى صاحب المقولة الغريبة في ذلك التوقيت، بعضهم قاطعها ضاحكاً (غايتو يا حبوبة بالغتي، وكلامك ده ما سبقك عليهو زول)، في تلك الأثناء بدأت حبوبة في تقديم مرافعة لما دفعها لقول ذلك، بدأت مرافعتها، قائلة- سبحان الله- قبل أسبوع كنا وين من المدافرة والمعافرة ومساككة ناس العربات، والوقوف بالصف، لكن هسي بقينا نقعد ونسمع صوت (الصراخ) الكمسنجي يكورك- ورح نفر نفر وطالعين طوالي- بخلاف تلاشي صفوف المخابز وكمية الصفوف الكتيرة والمسيخة، الكان ما ليها أول ولا آخر.
حبوبة لم تعط فرصة لمن حاول أن يقنعها، بأن الزحمة تراجعت لمجرد خوف الناس من الإصابة بمرض كورونا، وهي تقول مقاطعة (لا لا) زمان الناس موضوع وبلا موضوع طالعين، الطالع يشرب شاي مع صحبو، والطالعة تلاقي حبيبها، عشان كده عاملين زحمة، لكن الآن الواحد إلا يكون عنده غرض ضروري.
هذا الحوار الصغير الذي دار داخل الحافلة المتجهة من المحطة الوسطى بحري إلى الشعبي الخرطوم، يؤكد المثل السوداني (كل زول في همو)، رغم أن فايروس كورونا يهدد الجميع اليوم مسلم ومسيحي ووثني، وغيره يقابله الناس في بلدي بكل برود.
في الوقت الذي يرفع فيه العالم من حالة الاستعداد القصوى وأخذ التحوطات، الاستنفار الكامل، ما يزال الكثير من السودانيين يتعاملون مع الخطر القادم بنوع من السخرية والاستخفاف، فتجد انتشاراً كبيراً للنكات الساخرة من المرض، وبعضهم يؤكد استحالة إصابة الشعب السوداني به، لجهة أن السودانيين لديهم مناعة بالفطرة من الأمراض، وإنه حال كانت الأمراض تقتل لمات جميع السودانيين بسبب اللامبالاة، التي يتعامل بها الإنسان السوداني في حياته اليومية .
وفي الوقت الذي يرفع فيه العالم درجات الاستعداد القصوى لمحاصرة المرض، وتقليل عدد الإصابات بإغلاق المطارات، والمقاهي، والمواني، والملاعب، تجد صالات الأفراح في السودان تعمل كأنما لم يكن هنالك خطر يحدق بالبشرية، والأغرب من ذلك ليس في إصرار العرسان بالتمسك بإتمام مراسم الأفراح، وإنما في كمية الاستجابة من قبل المدعوين والمعازيم.
الأخطر من ذلك ما قاله المشرف العام لغرف الطوارئ المركزية لـ(كورونا) د. محمد نقد الله في حوار مع (آخرلحظة).. إن هنالك حالات اشتباه رفضت العزل ولم تتعامل بالقانون الإجباري.
آخر الحروف..
بالاستهتار والاستخفاف الذي يتم تداوله، وبالطريقة دي حا تخش البلد دي في الأضيق من الفتيل.. بما أنه الفتيل أصبح المقياس تلك الأيام، علينا أن نأخذ المواضيع بكل جدية، فالموقف يتطلب الجدية ولا وقت للهزار.. نتمنى أن لا يواصل المواطنون الاستخفاف بالمرض والابتعاد عن الشائعات.
التعليقات