نصف راي :
بقلم : خالد التيجاني
(1)
الاهتمام الفائق الذي أبدته الحكومة بشأن الطوارئ الصحيةعلى خلفية جائحة كورونا، أمر محمود وجهد مقدر، وهي مبادرة في محلها سواء من ناحية سرعة الاستجابة لمواجهة هذا التحدي في وقت مبكر تحسباً، أو من ناحية حشد وتضافر الجهود الوطنية، والتجاوب الكبير للمواطنين معها، والدرس المهم في هذه التجربة أنها تكشف عن رصيد الإمكانات الوطنية الكامنة التي يمكن أن تفجرها المبادرات الخلاّقة، وترسي نموذجاً لإمكانية النجاح في التصدي لأي تحديات مهما عظمت بالقدرات الذاتية مهما كانت محدودة، او في ظل ظروف غير مواتية.
(2)
أسوق هذه المعاني مستغرباً كيف تغيب مثل هذه الروح في التعاطي مع تحد ليس أقل خطراً، وهو حال الاقتصاد السوداني المتردي، والمُهدّد أكثر بتأثيرات الجائحة الاقتصادية، وهو ما يتطلب بالضرورة ارتفاع مستوى الاهتمام والعناية به ما هو أكبر بكثير مما كان عليه الحال قبل استشراء الوباء، فالطوارئ الاقتصادية بتبعاتها المنذرة ليست مما يمكن التغافل عنه بذريعة الانشغال بالطوارئ الصحية، بيد أن ما يؤسف له أنه بدلاً من أن يتضاعف الاهتمام والانشغال بالعواقب الاقتصادية الخطيرة، فقد آثرت الحكومة وحاضنتها السياسية (ق ح ت)الاختباء وراء مشجب “كورونا” لإعفاء نفسها من تحمّل المسؤولية على نحو مواز وبالهمة ذاتها بما يتصل بأمر معاش الناس وتدبير حياتهم.
(3)
حقاً ما الذي يجري وراء الكواليس إلى درجة تعريض البلاد لخطر لا يمكن تفاديه؟ ليس سراً أن الخلافات التي دبّت منذ وقت مبكر بين الطرفين وأدت إلى عرقلة الاتفاق على موازنة العام الجديد المعلقة، لا تزال محتدمة وبلغت طوراً أكثر حدة، ورئيس الحكومة وفريقه الاقتصادي يجأر بالشكوى في كل حين عندما يُسأل عن الحيرة في إدارة شأن الاقتصاد مجيباًبأنه مكبل بفعل “فيتو” ق ح ت، ومن جهتها لا تفوّت لجنتها الاقتصادية فرصة إلا وأوسعت الحكومة لوما وتقريعاً وتحميلها مسؤولية الفوضى الضاربة بأطنابها في أركان الاقتصاد الوطني بكل مظاهر الأزمات السائدة.
(4)
والسؤال ما الذي كان يمكن أن يتغير في ظل هذه المعطيات لو قام المؤتمر الاقتصادي وسط هذه الأجواء العدائية والمواقف المتباعدة؟، لم يكن الأمر لينتهي سوى إلى تكريس حالة الاستقطاب الراهنة، بما يؤدي إلى المزيد من الفشل في التصدي لسؤال الاقتصاد.لقد كان من المفترض أن يكون نتاجاً لحوار مجتمعي حقيقي موسع، لم يحدث أبداً على أرض الواقع، تشارك فيه قطاعات الاقتصاد كافة، لا سيما أصحاب المصلحة في مناطق الإنتاج الحقيقية.
(5)
ولكن يبدو أن لجنة المؤتمر فضلّت أن تقراً من كراسات النظام السابق، لتعيد إنتاج مؤتمراته تلك التي كان يحشر الناس لها ضحى، لا من أجل حوارحقيقي، بل للعب دور كومبارس يضفي هالة شكلية على احتكار القرار لنخبة أفندية الخرطوم ذوي العقلية الاستحواذية على حساب المنتجين الحقيقيين في مراكز الثروة الفعلية.لقد كان التحضير للمؤتمر على أية حال باهتاً جداً، مجرد عمل ديواني فاقد الحس، لم يلفت إليه انتباهاً، ولم يعره أحد اهتماماً، ولم يُرج منه إصلاحاً، ولعل إلغاءه جاء رحمة به من فشل كبير كان ينتظره.
(6)
وفي كل الأحوال فإن المسؤولية الأولى في التصدي لإصلاح أمر الاقتصاد تقع على عاتق السيد رئيس الوزراء وحكومته، وهي مكفولة بسند دستوري لا يعفيه منه أية اعتبارات سياسية أخرى، او مجاملة لهذا الطرف أو ذاك، ولا مناص أمامه من أن ينهض إلى مواجهة الطوارئ الاقتصادية بما تقتضيه بالتشاور حول تأسيس آلية قومية حقيقية ذات صدقية وكفاءة في إدارة حوار شامل عاجل للتوافق على مسار وطني للاقتصاد السوداني بعيداً عن إملاءات الخارج، أو خاضعاً لإرادة منفردة لأطراف ذات أجندة حزبية ضيقة.
التعليقات