مع انتشار فيروس كورونا، نشط في الكتابة، الذين يؤمنون، أن كل ما يحدث في هذا العالم، وراءه مؤامرةٌ مركزية. ولا أعتقد أن الإيمان بنظرية المؤامرة، مجافٍ للصواب، تمامًا. لكن، لا بد من الاحتراز، من أن نجعل من هذه النظرية، المفسر الأوحد، لكل ما يجري، على ظهر البسيطة. من طريف ما استمعت له، مؤخرًا، مقابلة، متلفزة، مع الكاتب البريطاني، ديفيد آيك، وُصفت مهنته بأنها، الاشتغال على نظرية المؤامرة، professional conspiracy theorist. وقد ظل ديفيد آيك يكتب، ويحاضر، في ذلك منذ ثلاثين علامًا، محاولاً جعل نظرية المؤامرة، إطارًا لفهم، وتفسير، ما يجري في السياسة، والاقتصاد، في العالم.
حين تستمع لديفيد آيك، تدرك، بوضوحٍ، أن الرجل عالِمٌ، سواءً اتفقت، مع أطروحاته، أم لم تتفق. يردد ديفيد آيك، ما ظل يردده كثيرون، وهو أن النموذج الرأسمالي الغربي، أوصل الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، في العالم، إلى أن يصبح 1% من سكان العالم، هم المسيطرين على كل شيءٍ، مع إبقاء سواد سكان الكوكب، تحت سيطرتهم، المطلقة. وهناك من الشواهد ما يدعم القول بتقدم طبقة الـ 1%، لإحكام سيطرتها على الاقتصاد الكوكبي، بأجمعه. ومنها، اندماج بيوتات المال الكبيرة، واندياح مد العولمة، وتمدد الشركات العابرة للقارات، وانهيار الأعمال التجارية والمتوسطة والصغيرة، وخروجها من السوق. أضحى العالم، بفعل العولمة، سوقًا، واحدةً، مفتوحة، للكبار، وحدهم. وقد أسهم التقدم التقني، واتساع الشراء، بالبطاقات البنكية، الإلكترونية، من أي مكانٍ في العالم، في إذابة الحدود السياسية، والجمركية.
مما يجعل نظرة ديفيد آيك، متسمةً بالغرابة، وربما بالشطح، إعتقاده أن طبقة الـ 1%، المسيطرة في مختلف الدول، متفقةٌ فيما بينها. وأن ما يبدو على السطح من خلافٍ، بين أمريكا والصين، أو، بين أمريكا وروسيا، على سبيل المثال، ليس، في حقيقة الأمر، سوى تقاسم للأدوارٍ في مشروع واحد، مشترك. وقد يكون هذا صحيحًا، من ناحية أن القوى الكبرى تعرف مكامن قوة وضعف بعضها، وتعرف، من ثم، كيف تناور، وتساير بعضها. أيضًا، ربما تكون عقيدة النخب المتحكمة، في البلدان الكبرى، متفقةً، على ترسيخ سلطة القلة، على الكثرة، بمختلف الوسائل، ومنها المال، والقهر بالقوة الخشنة، المسلحة. خلاصة القول، ما جرني للحديث عن نظرية المؤامرة، والتعريف بأحد كبار مُنظِّريها، هو اعتقاد ديفيد آيك، أن وباء كرورنا منح طبقة الـ 1% فرصة، ذهبية، لإعادة هندسة النظام الاقتصادي العالمي، والسير، قدمًا، في وجهة إحكام القلة، قبضتها على الكثرة، على نحوٍ غير مسبوق. يرى آيك، أن المرحلة القادمة سوف تشهد إيقاف التعامل بالنقد، تمامًا، والتحول إلى التعامل الإلكتروني، فتصبح أموال الشخص، مجرد أرقامٍ في حاسوبٍ، لدى الجهات المتحكمة. فهل سينجح هذا المسعى، إن صح أنه هناك؟ أم أن ثورةً كوكبيةً سوف تهزمه؟ كيف يا ترى سيكون عالم ما بعد كورونا؟.

التعليقات