تقرير: علي الكردفاني
أقرّ اتفاق جوبا لسلام السودان، قيام مؤتمر نظام الحكم، هل يفلح هذا النظام في تفعيل الحُكم المحلي، ويستجيب لآراء قطاعات المجتمع لتحدد الطريقة التي تُحكم بها؟
بعد نجاح ثورة ديسمبر المجيدة بسقوط نظام البشير في أبريل ٢٠١٩، تم التوقيع على الوثيقة الدستورية في ١٧ أغسطس ٢٠١٩، حيث تم الاتفاق بتكوين حكومة انتقالية مشتركة بين المدنيين والعساكر. نجاح هذه الفترة الانتقالية من أهم ضمانات وصول السودان لحكومة ديمقراطية تأتي بالانتخاب.أكبر الملفات التي أنجزتها الحكومة الانتقالية السودانية هو ملف السلام بوساطة دولة جنوب السودان. مؤتمر نظام الحكم والإدارة هو أحد أهم بنود اتفاق السلام.
مؤتمر نظام الحكم استحقاق اتفاقية السلام
جاء في اتفاق جوبا لسلام السودان، في الباب الأول المادة ١-١٠ أن الطرفين – حكومة السودان الانتقالية وأطراف العملية السلمية – اتفقا على عقد مؤتمر نظام الحكم لتحديد الصلاحيات والعلاقات الرأسية والأفقية لنظام الحكم الإقليمي دون الإخلال بالالتزامات الواردة في اتفاقيات مسارات التفاوض المختلفة.
ووفقا للاتفاق ينبغي أن ينعقد هذا المؤتمر في فترة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ التوقيع على الاتفاقية الذي تم في ثالث أكتوبر، ٢٠٢٠.
لجان لقيام المؤتمر
وفي سبيل الإيفاء بهذا الاتفاق، أصدر رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان بتاريخ ٤ مارس ٢٠٢١ مرسوما دستوريا رقم ٦ لسنة ٢٠٢١ بإنشاء نظام الحكم الإقليمي (الفيدرالي) بالسودان. ونص المرسوم على تطبيق نظام حكم الأقاليم عقب انعقاد مؤتمر نظام الحكم في السودان الذي يحدد الأقاليم وعددها وحدودها وهياكلها واختصاصاتها وسلطاتها ومستويات الحكم والإدارة، بما لا يتعارض مع اتفاق جوبا لسلام السودان ٢٠٢٠.
بعد هذا المرسوم تم تكوين لجنة للنظر في قيام مؤتمر نظام الحكم، ووضعت هذه اللجنة اللبنة الأساسية لقيام المؤتمر.
قال الأستاذ محمد الحسن التعايشي عضو مجلس السيادة الانتقالي، رئيس اللجنة القومية لمؤتمر نظام الحكم، إن اللجنة الأولى قدمت دراسة وتصورا كاملا لكيفية عقد مؤتمر نظام الحكم.
بعد قبول التصور تم تكليف اللجنة بإضافة أعضاء جدد لتصبح لجنة قومية. وتم تكوين اللجنة القومية لمؤتمر نظام الحكم بالقرار رقم ١٨٦ لسنة ٢٠٢١ الذي أصدره رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان، بتاريخ ٢٥ أبريل، ٢٠٢١.
اللجنة القومية تضم ٢٧ شخصا من الشخصيات القومية مع مراعاة تمثيل المرأة، ويرأسها عضو مجلس السيادة الأستاذ محمد حسن التعايشي، ومن مهامها: المتابعة والإشراف على أعمال اللجان الفنية للمؤتمر، حشد الدعم الفني والمالي، العمل على تعزيز المشاركة الشعبية للمواطنين في أنشطة المؤتمر واستلام توصيات المؤتمر.
خطوات تمهيدية
تعتبر الورشة الفنية لمؤتمر نظام الحكم والتي عقدت بتاريخ ٢٧-٢٩ أبريل الماضي، أولى أكبر الخطوات في طريق المؤتمر، شارك فيها حوالي ٤٠٠ شخص من المهتمين بقضايا الحكم المحلي من باحثين، أكاديميين وسياسيين.
قدمت في الورشة الفنية ستة أوراق ناقشت ستة محاور وهي: ١. المستويات، الهياكل، الصلاحيات، الاختصاصات، التشريعات والعلاقات في ظل الحكم الفيدرالي الإقليمي، ٢. الحكم الذاتي في ظل نظام الحكم الإقليمي الفيدرالي، ٣. الموارد المالية، البشرية، الاقتصادية، التنمية والخدمات، ٤. الحدود والتقسيمات الجغرافية في ظل نظام الحكم الإقليمي الفيدرالي، ٥. الحكم المحلي في ظل نظام الحكم الإقليمي الفيدرالي، و٦. التحديات البيئية في السودان.
قال الأستاذ محمد حسن التعايشي رئيس اللجنة القومية لمؤتمر نظام الحكم، في الجلسة الافتتاحية للورشة لمؤتمر نظام الحكم “إن انعقاد هذه الورشة يعد خطوة كبيرة في سبيل الإجابة عن السؤال الموضوعي والمهم والذي ظل بلا إجابة ثابتة لعقود طويلة وهو كيف يُحكم السودان”، وأن هذه الورشة هي تمهيد لانعقاد المؤتمر الذي يأتي في إطار تنفيذ اتفاق جوبا لسلام السودان.
وأكد التعايشي أن “الخطوات التي تلي هذه الورشة بعد استلام توصياتها هي إجراء مشاورات واسعة ومكثَّفة مع السودانيين في جميع أنحاء البلاد تشمل كافة القطاعات، النساء، شباب، الرُحّل، والنازحين، بغرض تدعيم هذه التوصيات بمزيد من الآراء” والمقترحات وحشد التوافق الممكن حول نظام الحكم الإقليمي الفيدرالي وصولاً لمؤتمر نظام الحكم.
هذا وفسرت وزيرة الحكم الاتحادي رئيسة اللجان الفنية للمؤتمر الدكتورة بثينة دينار في الاجتماع الأول للجنة القومية لمؤتمر نظام الحكم أن مؤتمر شرق السودان، مؤتمر ولاية شمال كردفان ومؤتمر ولاية الخرطوم كلها يجب أن تسبق انعقاد مؤتمر نظام الحكم. الهدف من هذه المؤتمرات هو “بحث مسار شرق السودان وتسليط الضوء على مجمل قضايا الاقليم، بحث قضايا ولاية شمال كردفان التنموية، باعتبارها ولاية لم تنل حظها من التنمية، إضافة الى البحث قضايا الخرطوم لكونها عاصمة البلاد”.
مستقبل المؤتمر وتوقعات السودانيين
يقول موسى إدريس عامر، الناشط السياسي ومسؤول البحث والتطوير في مشروع عديلة، “إن هذا المؤتمر مهم جدًّا لتكملة مهام وعمليات الفترة الانتقالية، التي ينبغي أن تكون مترابطة (السلام، مؤتمر نظام الحكم، المؤتمر الدستوري وقيام الانتخابات)”، ويرى عامر أن “هذه العمليات يجب أن تكون متسلسلة ومتتابعة وشاملة لكل السودان.
“حاليا توجد فرصة وهي أن نقيم مشاورات مجتمعية ومؤتمرات قاعدية حول نظام الحكم، رغم أنه لا يمكن وجود رأي واحد جامع لكن يمكن الحصول على تأييد الأغلبية، ولكن يجب أن نجد آلية لسماع الأصوات المتعددة في المناطق المختلفة.الاعتصامات التي تمت في المناطق المختلفة مثل نيرتتي والعباسية والجنينة وكادوقلي وغيرها [تدل على ضرورة] استصحاب القرارات من المستويات المحلية، وأن تتوفر فيها الخدمات”، يعزز عامر.
بالنسبة للدكتور عبدالله محمد أحمدكفيل، أستاذ الإدارة العامة بمعهد دراسة الإدارة والحكم الاتحادي في جامعة الخرطوم، فإن المنتظر هو إعادة هيكلة مستويات الحكم. “نظام الحكم المرتقب سيكون نظامًا ديموقراطيًّا برلمانيا، على ثلاثة مستويات هي: المستوى الاتحادي (المركزي)، ومستوى إقليمي، بالعودة لنظام الأقاليم الذي طُبّق سابقا عقب اتفاقية أديس أبابا للسلام في السودان عام ١٩٧١ بين حكومة السودان وحركة أنانيا ٢ التي كانت تمثل شعب جنوب السودان آنذاك”، يتوقع د. كفيل.
“الجانب الأهم في الهيكل المرتقب لحكم السودان هو إحياء الحكم المحلي لمستوى ثالث للحكم، يتمتع بقدر كبير من الاستقلالية المحلية، ولمجالس محلية منتخبة انتخابا حرا ومباشرا، متمثل في ثلاثة أنماط: ريفية، شبه حضرية ومجالس بلدية بالمدن الكبرى.”
ويظل انعقاد مؤتمر نظام الحكم في السودان هو الحدث الأهم في الوقت الحالي كونه استحقاق اتفاق السلام بالإضافة لكونه يصنع فارقا جديدا بإقراره لكيفية نظام الحكم في السودان، وننتظر في الأيام المقبلة أن تنتظم وِرش العمل الولائية لإجراء مشاورات واسعة من القواعد الشعبية.
التعليقات