من أهم سمات الأداء القيادي الناجح في الدولة، القدرة على إتخاذ القرار الصحيح في الوقت المناسب، وتحديد فترة زمنية لتنفيذه، على ضوء الإمكانات المتاحة والمعوقات المتوقعة، مع ضرورة تجهيز البدائل والإحتياطي.
وبعد نهاية تلك الفترة الزمنية المحددة، تخاطب القيادة التنفيذية الناس إما مبشرة بنجاح تنفيذ القرار، أو موضحة المعوقات والصعاب التي منعت تنفيذه، وما إذا كانت ستسعى مرة أخرى لمعاودة التنفيذ، وربما وفق آليات مختلفة تتخطى بها تلك الصعاب والمعوقات، أو ستختار الملائم من البدائل والإحتياطي. وأعتقد أن هذه السمة هي من ضمن مَدَامِيك بناء هيبة الدولة، والتي كثيرا ما يبتذلها البعض ويختصرها فقط في العنف القانوني الذي تمارسه الدولة لفرض إنفاذ القانون. في هذا السياق، ومتخذين هذه السمة القيادية كلوحة خلفية، نسوق بعض الأمثلة، ومن خلالها نتقدم بمقترحات للأخ رئيس الوزراء، ودائما في إتجاه دعم مبادرته التي أطلقها للخروج بالبلاد من أزمتها الراهنة.
يتعلق المثال الأول ببند تكوين المجلس التشريعي الإنتقالي الوارد في مبادرة الأخ رئيس الوزراء، والذي يقرأ «تلتزم جميع الأطراف بتكوين المجلس التشريعي في مدة أقصاها شهر من الآن وبمشاركة جميع الأطراف باستثناء المؤتمر الوطني ومن أجرم وأفسد في حق البلاد». طبعا الشهر عدى وفات، ولا أثر للمجلس التشريعي. ولكن طبعا أيضا، أمر تكوين المجلس التشريعي ليس مسؤولية الأخ رئيس الوزراء، ولكنه حين أورده في مبادرته متحدثا عن إلتزام جميع الأطراف بتكوينه خلال مدة أقصاها شهر، كان التفسير المنطقي والطبيعي أنه منخرط في الأمر مع الأطراف الأخرى، وإلا ما كان له إيراد الإلتزام وتحديد المدة. وعموما، وما دامت الفترة المحددة مضت كسابقاتها ولم يتكون المجلس، وبما أن رئيس الوزراء أورد الأمر ضمن النقاط الرئيسية في مبادرته، فنقترح عليه الخروج للناس وتنويرهم، على الأقل بما بذله هو في هذا الشأن، بما في ذلك أي جهود بذلها في توحيد القوى المتشظية والمنقسمة على نفسها المناط بها تكوين المجلس.
أما المثال الثاني، فيتعلق بقرار مجلس الوزراء، 12 مايو/أيار2021، حول الجريمة الشنعاء التي أرتكبت في ذكرى فض إعتصام القيادة العامة، 11 مايو/إيار 2021، والذي يقرأ «الدعوة لانعقاد الاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء بصورة عاجلة بحضور النائب العام لجمهورية السودان ورئيسة السلطة القضائية، بغرض مراجعة عملهما واتخاذ إجراءات عميقة وناجعة لمناهج المؤسستين العدليتين وطُرق عملهما، مع مناقشة جميع الخيارات الأخرى». والسؤال البديهي هنا، هل فعلا أُتخذت إجراءات عميقة وناجعة لمعالجة أوضاع السلطة القضائية والنيابة العامة، وما هي؟ وما هي تلك الخيارات الأخرى الواردة في القرار؟! نشير إلى أن ذلك القرار أتخذ في إجتماع طارئ قبل ثلاثة شهور، ومن يومها لم نسمع بأي قرار خاص بأجهزة العدالة غير قرار قبول إستقالة النائب العام السابق، وقرار إقالة رئيسة القضاء والذي لا يزال يثير ضجة كبرى حول مشروعيته، والقراران قطعا ليسا من ضمن الإجراءات العميقة والناجعة لمعالجة أوضاع المنظومة العدلية.
إصلاح المنظومة العدلية هو المطلب الرئيسي لثورة الشعب السوداني وفي قمة أولوياتها. والحديث عن التباطؤ في إصلاحها يقودنا بالضرورة إلى أحد البنود الهامة في مبادرة الأخ رئيس الوزراء، والذي يقرأ «إصلاح الأجهزة العدلية وإكمال بنيانها المؤسسي وتفكيك التمكين داخلها». وعلى الرقم من تثميننا لورود ذلك ضمن بنود المبادرة، إلا أن طرحه ظل يتكرر دون فعل ملموس، حتى كاد يقترب إلى الإبتذال. فلا يُعقل أن تظل ذات الجملة تتكرر لأكثر من عامين منذ إنتصار الثورة حتى اليوم، ولا نرى طحينا..! والمفوضية التي يفترض أن تعيد بناء وتطوير المنظومة العدلية وتفكيك بنية التمكين فيها، لم تتكون حتى اللحظة، رقم أن قانون تشكيلها أجازه إجتماع التشريع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء الإنتقاليين، 22 أبريل/نيسان 2020، ووقعه رئيس مجلس السيادة الإنتقالي، ونشر في الجريدة الرسمية لجمهورية السودان، العدد 1904، 13 يوليو/تموز 2020. وقد نص قانون مفوضية إصلاح المنظومة الحقوقية والعدلية على أن الجهة التي تشكل المفوضية هي مجلس الوزراء على النحو التالي: رئيس القضاء، النائب العام، وزير العدل، نقيب المحامين، ممثلين اثنين لكل من السلطة القضائية والنيابة العامة ووزارة العدل ونقابة المحامين، عميدا كلية القانون بجامعتي الخرطوم والنيلين، وستة من القانونيين من ذوي الخبرة والكفاءة من غير العاملين بأجهزة الدولة العدلية يختارهم رئيس القضاء والنائب العام ووزير العدل، ويختار كل منهم عضوين. والآن، السؤال الرئيسي، والذي من المفترض، وفق قانون المفوضية، أن يجيب عليه مجلس الوزراء، هو: لماذا، ولأكثر من عامين، لم يتم تنفيذ القانون وتشكيل المفوضية حتى تتولى مهمة إصلاح المنظومة القضائية والنيابة العامة، بما في ذلك تكوين مجلس القضاء العالي والمحكمة الدستورية، علما بأن كل أعضاء المفوضية المفترضين كانوا موجودين ووفق تعيينات ما بعد الثورة؟. هل فعلا العلة في مجلس الوزراء، حسب ما تهمس به المجالس، حيث قفل ملف المفوضية في دُّرج المكتب عندما فشل في تسمية الأعضاء الأربعة الذين يختارهم وزير العدل بعد محاولة التشاور حولهم مع الحرية والتغيير، وفشل الأخيرة في تقديم ترشيحات متوافق عليها؟. أولا، نقترح على رئيس الوزراء توضيح الأمر للناس بكل شفافية، وفي ذات الوقت، إما يضغط للتعجيل بإختيار رئيس القضاء والنائب العام ومن ثم تكتمل تركيبة المفوضية، أو يشكل مفوضية إنتقالية مؤقتة بإضافة أقدم القضاة وأعلاهم تراتبية، ما دام رئيس القضاء غير موجود، وعضوية النائب العام الحالي المكلف، وتتولى المفوضية المؤقتة إختيار رئيس القضاء والنائب العام، بعد التشاور الواسع مع مختلف قطاعات القانونيين. وفور إختيار رئيس القضاء والنائب العام تحل المفوضية المؤقتة ويعاد تشكيل المفوضية الدائمة فورا، وفق ما نص عليه القانون، لتتولى مهمة إصلاح المنظومة العدلية والقانونية.

التعليقات