شئ للوطن
م.صلاح غريبة – مصر
ghariba2013@gmail.com

مات بلوم الغرب …بلوم كردفان …ود بارا ….عبد الرحمن بارا ….في نهاية رحلة حياته بالقاهرة.
كان متشائما من القاهرة، ولكنه كان قدره ولابد منه…. ليكمل علاجه بالقاهرة، كما ود هو، وكما طلبنا نحن منه، ولكن القدر كان اسبق في رسالته.
تجمعني مع عبد الرحمن الكثير من المحطات وبدايتها، الجوار الذي جمعنا بحي الوحدة بالابيض عروس الرمال …في جوار كان يتم بالتناغم والتآلف الأسري، وكما كان يقول لي: امي (حاجة حواء) ولكن امي الثانية هي (حاجة منيرة) والدتنا …وليرحمها الله جميعا.
وجمعتنا محطة الرياض، وتلاقينا تلاقى صحي في الأيام الاولى، ثم تدهور في صحته، إلى أن توجه إلى إحدى الدول الاسكندنافية لمواصلة علاجه، بأسلوب طبي حديث بدون تدخل جراحي، من آلالام الغضروف في الظهر والرقبة، نتيجة سقوط جوال سكر في إحدى رحلاته الفنية في ربوع كردفان في سبعينات القرن الماضي، ولم تظهر الآثار إلا بعد ردحا من الزمان، مع تقدم العمر.
وفي الرياض وكواحد من أبناء الابيض، بذلنا الجهد في المساعدة في علاجه ضمن منظومات أخرى ومنها لجنة علاج وتكريم الفنان عبد الرحمن عبد الله، وكانت معنا اسماء شوامخ، وانتقل إلى مولاه بعضهم، قاسم مهداوي ومعاوية التوم وغيرهم، ولا زال بعض يواصل البعض الحياة مع ذكريات تلك الأيام ومنهم الاستاذة الصحفية سهير الرشيد
ثم التقيت به في رحلة عبر احدى الباصات المنظمة الى بارا، لوضع الاساس لطريق الصادرات بارا – امدرمان، وتشاء الظروف أن نترافق طوال مسيرة الرحلة، والعودة والايام الجميلة التي قضيناها في بارا، وتحت كرم الوالي في ذلك الوقت مولانا احمد هارون ومعتمد بارا صديقي العزيز وزميل الدراسة نزار ابو الزول.
ثم كان التلاقي عبر التواصل الهاتفي وعبر وسائط الاعلام الحديث، ولا انسى رسائله الدينية والمختار من الاخبار ومقاطع الفيديو.
ثم كانت المحطة الأخيرة في حضوره إلى القاهرة، ولقد سعيت مع الاخ العزيز وزميل الدراسة ايضا، الصحفي القدير جمال عنقرة، في توفير تذاكر سفر طيران له عبر الناقل الوطني الخطوط الجوية السودانية من خلال اصدقاء سودانير (سفر), فالشكر للاستاذ ياسر تيمو والاخ جمال عنقرة ومنسوبي سودانير ومركز عنقرة في ذلك.
شتاء كردفان القارس، وصوت البلوم يغرد عبر الميكروفونات في مدينة الابيض، نشد الرحال إلى تلك الحفلة، ومهما بعدت، ونستمع إلى اغانيه الشجية الطروب، ونحفظها عن ظهر قلب، ونعود ادراجنا في ليل بهيم إلى منازلنا، وربما بتوبيخ من الاهل، وربما بتكاسل في رحلة الذهاب إلى المدرسة.
فقدت بحق عبد الرحمن، فهو جزء من تاريخ حياتي، ويجمعنا امتداد تاريخ تباعدت فيه المدن، وتباعدنا عن مقراتنا في الابيض وبارا، ولكن الاحساس المرهف بالتلاقي الروحاني يتواصل وربما إلى نهايات كل ابطال هذه الرواية الانسانية، كجزء من سيرورة الحياة.
تعازينا الحارة لمبارك وحسن وعائشة وفتحية وشادية وأبنائهم وكل الاسرة، والقبيلة الابداعية في اتحاد المهن الموسيقية وعلى رأسهم الدكتور عبد القادر سالم ورفاقه.
والشكر والتقدير لكل من بذل الجهد النفيس في كل رحلات علاج عبد الرحمن، واخص رجال اخلصوا في الرسالة، وفي العطاء.
والشكر للوالي خالد مصطفى وهو يعمل في صمت لعلاج عبد الرحمن، وسبق السيف العزل، فلقد جهز امكانيات الولاية لعلاج ابن كردفان البار، وجرت بيني وبينه إتصالات، تتسم بالصدق وروح المسؤولية وبتنسيق مع السفير محمد اليأس سفير السودان بالقاهرة، لمعرفة تكلفة العلاج العاجلة، واستعداد الولاية للمساهمة في كامل التكلفة، كما أكد لي سعادة الوالي، وكلفني بأن أكون مندوب الولاية في علاج عبد الرحمن بالقاهرة.
الشكر للسفير محمد اليأس ودكتور مرتضى ودكتور الرشيد وكل طاقم السفارة بالقاهرة.
رحمك الله عبد الرحمن، فكنت تعلم بأن حضورك للقاهرة كان سينتهي بصندوق مغلق بعيدك لأرض الوطن، ولم تعيدك مدن أخرى كثر، ولكنها القاهرة حيث (العسل الاسود).

التعليقات