عاش اليمني محمد صالح المقيم في السعودية، في حال من الفزع والهلع بعد ان صار مليونيرا، فقد أصيب بنك بنوبة كرم فقرر رفع رصيده من 20,000 ريال الى أكثر من 33 مليون ريال. ولأنه انسان بسيط فقد خشي ان يتهمه البنك بالسرقة إذا أبلغ عن تلك الملايين التي هبطت على حسابه، ولم يسعد الرجل براحة البال إلا بعد ان تسلل ذات ليلة شديدة الظلام على أطراف أصابعه الى جهاز الصرف الآلي وأدخل بطاقته لسحب بعض المال و….. يا للسعادة: اختفت الملايين من حسابه وعاد غلبانا بسيطا، ولكن سعيدا كما كان قبل ان يصاب بفيروس الملايين
أما السعودي عيسى عبد الكريم فقد سقط مغشيا عليه ودخل في غيبوبة وتم نقله الى المستشفى بعد أن اكتشف أن البنك الذي يتعامل معه وضع في حسابه ثلاثة مليارات ريال، ولم يسترد عافيته إلا بعد ان راجع حسابه المصرفي مجددا واكتشف ان المليارات الثلاثة طارت واختفت. هتف عيسى: الحمد لله الذي صرف عني الأذى وعافاني. واحتفل بنهاية كابوس البلايين بشراء سندويشات فلافل لعدد من أصدقائه.
الحمد لله فما زال هناك من تأبى نفوسهم الكسب الحرام الرخيص بينما في بريطانيا عشرات الحكايات عن مليونيرات اللوتري (اليانصيب): فكم من عامل بسيط صار مليونيرا باللوتري فكانت النتيجة خلافات مع الزوجة أو الوالدين أو إدمان الكحول والمخدرات. عندنا في السودان مثل يقول: شكّار نفسه إبليس، ولكنني سأتباهى اليوم بأنني ما حلمت يوماً بأن أصبح غنيا، بمعنى أن أكون في وضع يسمح لي بعدم العمل أجيرا لدى أي جهة نظير راتب معلوم، ولم أرث عن والدي مليماً أحمر أو أصفر وطالما أنني أتقاضى راتباً معلوما في نهاية كل شهر فلا سبيل إلى الثراء “المريح” وطالما أنني لست على استعداد لاختلاس مال أو اللجوء إلى أي وسيلة “حرام” لكسب مال لا يخصني فلن أصبح ثريا. ولكن أجمل ما في الأمر هو أنني أحس بأن وضعي المالي “ممتاز”. ليس عندي رصيد مصرفي ضخم او فخم، ولا أمتلك سهماً حتى في كشك فلافل، ولكن يكفيني أنني نجحت في توفير تعليم “محترم” لعيالي وأنني لست مضطراً إلى الاستدانة من أي جهة عملا بنصيحة أمي: “الخالي من الدين غني”، وبالتالي فأنا غني. كنت أعمل مدرساً في مدرسة التجارة الثانوية الملاصقة لمبنى وزارة التربية في الخرطوم وكنت أصرف راتبي من خزينة الوزارة مباشرة، وبمرور الزمن نشأت مودة بيني وبين “عوض” أمين الخزينة، وذات مرة كانت لدي مع الراتب “متأخرات علاوة سنوية” فأعطاني صاحبنا المبلغ في مظروف وضعته في جيبي وعدت إلى البيت في حي “الشعبية” في الخرطوم بحري، حيث اكتشفت أنه أعطاني ثلاثة أضعاف المبلغ المستحق لي. وكانت ساعات العمل الرسمية قد انتهت وكنت أعرف أن عوض يقيم في مكان ما في الشعبية، وطفت في الحي أسأل عن بيته إلى أن عثرت عليه، وجاءتني زوجته وحكيت لها أمر النقود الزائدة التي أعطاها لي ولكنها قالت أنه لم يعد إلى البيت في موعده “على غير العادة”، وأنه ربما لا يزال يجرد الخزينة ليعرف منشأ العجز فيها. وفي هذه الأثناء وصل صاحبنا وصاح من على البعد: ليه غلبت نفسك يا جعفر، كان ممكن ترجع الفلوس باكر الصبح. وشرح لي أنه وبمجرد اكتشاف العجز في الخزينة أدرك أنه سلمني مبلغاً أكبر مما أستحق وكان بالتالي واثقاً من أنني سأعيده له، فخرج من المكتب ملبياً دعوة غداء
جعلني كلامه في منتهى السعادة: طالما الفلوس عند جعفر فما شلت همها لأنه من المؤكد أنه سيعيدها إليّ! ما أجمل أن يثق الناس بأمانتك واستقامتك (وعندما دخلت السجن خلال حكم نميري ظل عوض يحتفظ براتبي في الخزينة كأمانات فخرجت من السجن وأصبحت “غنياً” لعدة أشهر).
المقالات
جعفر عباس يكتب :الثراء المفاجئ الفاجع

التعليقات