أرسل لي أحد الأصدقاء المهتمين بالفوتوغرافيا لقطات فيديو عجلى من قلب الخرطوم، ويبدو أنه التقطها في غفلة الرقيب وهجعة القناص. بدت فيها هذه الحسناء الخلاسية مكسورة الخاطر وسط الأطلال، بدت مصوِّحة بعد اخضرار، وعابسة بعد افترار وخالية بعد انتشار. فتنّزل على خاطري الكثير، مربع أطل على استحياء وهأنذا أرسله في بريد شعراء الشعب لينسجوا على منواله ومواله سيمفونية الأسى والعزاء، فلعل بعد العذاب تأتي العزوبة، وبعد الاتراح تأتي الأفراح، وبعد الانكسار يأتي الانتصار، وبعد الشين يأتي الزين، ويعود الجميع من جديد ليملئوا ضفتي النيل بمواسم الأعراس الجديدة، وكرنفالات الفرح المباح بالسودان القادم، الذي يملأ الدنيا بفكرة الأصل والعصر، وبشعبٍ وجيشٍ يبعثان في أفريقيا شعارات المهابة والكفاية والعدل ناضرةً مثمرةً تمشي على قدمين، وتمسح الخرطوم الخضراء بعنفوانها ويدها البضة دمعة اللوعة من جغرافيا الوجوه المكدودة الواجفة.
ولكي لا ننسى فإن ابتدار المطالع يقول هامساً:

حتْ (الكيني) شاف الحال معانا ضعيفة
وسلطان (مالي) أعلن في ديارنا خليفة
خرطوم الجمال الفي النحور سوميتة
بعد الاغتصاب حرقوها بي كبريتة

**حاشية:
ولعل عشاق الأدب الشعبي لا تفوت على فطنتهم أبيات شيخ العرب الحردلو الشهيرة التي اخذنا عنها التضمين. فحين أفلتت منه حبيبته القديمة، رأى يوماً في كهولته إبنتها ضوّه فعاوده الحنين القديم فقال (قطع اخدر) معرضاً بإبنه عبدالله الذي أخفى عليه صلة الثانية بالأولى، حتى لا يعيد عليه مواجعه النازفات، ولكن ببصيرة الحب القديم علم بالعرفان اللدني الحقيقة:

حتْ عبدالله شاف الحال معانا ضعيفة
ما قال ضوه خلت فى عقابها خليفة
وبقية القصيدة شائع وسط مجالس الفناجرة.

التعليقات