جنيف مابين الصراع الدولى وأشواق شعبنا فى السلام.
المأساة الإنسانية فى السودان.

٢٤/اغسطس/٢٠٢٤م

الأستاذ/ عبدالجليل الباشا

لاشك أن حرب ١٥ أبريل قد خلفت مأساة إنسانية غير مسبوقة ، حيث أكدت التقارير الأمميه والمحلية بأن عدد النازحين داخليا الذين تركوا ديارهم ومنازلهم قد بلغ ٩ ملايين شخص، بينما لجأ عدد ٢ مليون إلى الدول المجاورة بحثا عن الأمن والاستقرار، فى حين بلغ عدد الذين لقوا حتفهم فى هذه الحرب اللعينة حوالى ١٩٠٠٠ ألف وربما يفوق الموتى هذا العدد بكثير بحسب التصفيات والاغتيالات على أساس الهوية، لا سيما وأن هناك العديد من المفقودين الذين كان ومازال مصيرهم مجهولا، هذا وقد بلغ عدد الجرحى ٣٣٠٠٠
ألف ، وفوق هذا وذاك هناك ٢٥ مليون مهددين بشبح المجاعة ، فى الوقت الذي بلغ فيه عدد المتأثرين بالسيول والأوبئة والأمراض
حوالى ١١٧٠٠٠ ألف حسب الاحصائيات الرسمية ، هذا بالإضافه إلى الدمار والخراب الذي حل بالبنية التحتية والخدمية وتهتك النسيج الإجتماعى بسبب الاستقطاب الحاد وانتشار خطاب الكراهية وإثارة النعرات القبلية والجهوية بغرض تحويل الحرب إلى نزاع إثنى شامل لايبقى ولايذر ، وحتى الذين يعيشون فى السودان معاناتهم تزداد يوما بعد يوم نتيجة لندرة المواد الغذائية وغلاء الأسعار وانعدام السيولة والاعتقالات والملاحقات والمضايقات فى الطرقات .
*جنيف مابين التفاؤل وخيبة الأمل :
فى ظل هذه المعاناة جاءت محادثات جنيف بقيادة الولايات المتحده الأمريكية والمملكة العربية السعودية وبمشاركة دولية واقليمية واسعة مما أعطى الأمل لأهل السودان فى إنهاء الحرب وتحقيق السلام الذى يسدل الستار على فصول مآسى النزاع الذي هدد البلاد فى تماسكها ونسيجها ووجودها، فبالرغم من النجاح الذى حققته المحادثات فى إيصال المساعدات الإنسانية من خلال فتح بعض المعابر الحدوديه الا
أن السودانيين والسودانيات قد اصيبوا بخيبة أمل كبيره فى فشل المفاوضات فى تحقيق وقف إطلاق النار ، فمهما كانت إلتزامات الأطراف فإن هذا الاتفاق معرض للانهيار فى اى لحظة طالما أن الحرب مستمرة باعتبارها تشكل السبب الرئيسى فى كل معاناة اهل السودان.
*لماذا فشلت جنيف فى تحقيق وقف إطلاق النار؟
فى تقديرى الشخصى هنالك أسباب عديدة لم تمكن محادثات جنيف من بلوغ سدرة منتهاها حسب الأهداف الثلاثة التى أعلنها الوسطاء وهى:-
اولا: غياب الضغط الكافى من قبل المجتمع الدولى والإقليمى وذلك بسبب صراع المصالح بين الولايات المتحدة وروسيا على منطقه البحر الأحمر مما أعطى قيادة الجيش فرصة للمناورة والمساومة لتحقيق مكاسب متعلقة بشرعنة السلطة سواء كان بالاعتراف او التسليح بدلا من التركيز على السلام لإنهاء معاناة شعب السودان المغلوب علي أمره .
ثانيا: سيطرة واختطاف الحركة الإسلامية لقرار الجيش ، مع إصرارها على استمرار الحرب حتى تجد موطيء قدم فى المعادلة القادمة وبالتالي كان لها دور كبير فى غياب وفد الجيش عن جنيف ، بيد أن ذلك لاينفى أن الطموح الشخصى للبرهان فى حكم البلاد مجددا يشكل القاسم المشترك بينه وبين الاسلاميين، علاوة على أن الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش فى حربه ضد الدعم السريع مهما اختلف الناس حول موقفها فهى لن تقبل بأن يستخدمها البرهان (كبرازة شوك) وبالتالي سوف تصر على المشاركة فى أى مفاوضات حتى يكون لها موطيء قدم فى المرحلة القادمة .
ثالثا: غياب الصوت المدنى الموحد.
رابعا: ضعف الحراك الشعبي والجماهيري المنادى بوقف الحرب على المستوى القاعدى.
*الخيارات المتوقعة بعد فشل جنيف فى وقف إطلاق النار.
١- استمرارية وتوسعة دائرة الحرب على المستوى الإثنى والجهوى.
٢- الاتفاق بين الجيش والدعم السريع على إيقاف الحرب وتشكيل حكومة بعيدا عن المدنيين.
٣- إنتصار طرف على الآخر وفرض أجندته وهو خيار مستبعد فى ظل معطيات الواقع فى الميدان.
٤- تقسيم السودان إلى دويلات صغيرة بحكومات متعددة على نحو مايحدث فى ليبيا.
٥- تدخل المجتمع الدولى سواء كان بواسطة البند السابع او دولة منفردة بحجة رعاية مصالحها بما فى ذلك أمنها القومي.
٦- الخيار الأمثل هو الحل التفاوضى السلمي بمشاركة القوى السياسيه الذى يوقف الحرب ويحقق السلام ويؤسس لعملية تحول مدنى ديمقراطي فى ظل بيئة سياسية تحكمها مباديء الحكم الراشد.
*ماهو المطلوب لايقاف الحرب وتحقيق السلام؟
اولا:- على المجتمع الدولى والإقليمي أن يحرر ازمة السودان من صراع المصالح حتى يتمكن من ممارسة ضغوط حقيقية على الأطراف وبالذات الممانعة من أجل التعاطي الايجابي مع المبادرات والجلوس فى طاولة التفاوض.
ثانيا: التوافق على رؤية شاملة لمخاطبة تداعيات الحرب واسبابها الجذرية للحيلوله دون ترحيل الأزمة للأجيال القادمه.
ثالثا:- توحيد القوى المدنية الداعية لوقف الحرب.
رابعا:-التواصل الفعال مع المجتمع الدولى والإقليمى وكافة قطاعات الشعب السودانى من أجل تحقيق اماله وتطلعاته فى السلام والاستقرار .
رابعا:- العمل على محاربة خطاب الكراهيه وتعزيز التماسك الإجتماعى ودعم التعايش السلمي.
خامسا:- تفعيل وتنظيم العمل الشعبي والجماهيرى القاعدى لاعلاء صوت وقف الحرب وبناء السلام.
ختاما نقول ان شعبنا يموت بالحرب والجوع والمرض والغرق، وعليه لابد من توحيد كل الجهود من أجل محاصرة دعاة الحرب داخل وخارج الوطن والعمل الجاد على وقف الحرب وتحقيق السلام ، فالواجب الدينى والوطنى والاخلاقى والإنسانى يحتم علينا بذل الوسع كله لرفع المعاناة عن كاهل شعبنا مهما كان الثمن ، فالساكت عن الحق شيطان اخرس ، وقديما قيل ما حك جلدك مثل ظفرك .
عبدالجليل الباشا محمد احمد
مساعد الرئيس للشئون الولائية بحزب الأمة القومي
Email:- abdelgaleel.albasha.mohammed@hmail.com

التعليقات