قيل عن الحرب : هي مجازر بين أشخاص لا يعرفون بعضهم،لصالح أشخاص يعرفون بعضهم لكنهم لا يتقاتلون.

يشهد عالمنا اليوم العديد من الحروب والاقتتال في مختلف انحاءه المتفرقة ، ويقف الجميع عاجز عن التوصل الى سلام حقيقي يعيد الى الارض الامان والاستقرار ، في ظل صراعات اقليمية ودولية ، تتعلق بالثروات ، لنهب خيرات الشعوب ، دون النظر الى الكارثة الإنسانية الواقعة عليهم .
وفي ظل ذلك الصراع ، يعد الصراع في السودان هو الاكثر فتكا بمواطني تلك الرقعة الكبيرة بمساحتها الشاسعة في هذا الكون ، مقارنة برفيقاتها من الكوارث ، ولكنها لا تجد نصيبها من التداول العالمي بما يعكس حجم تلك المعاناة ، التي تعد الاكبر على المستوى العام .

الشعب الذي استطاع أن يصنع ثورة تغيير سلمية ازاح بها حكم شمولي ديكتاتوري استمر لاكثر من 28 عام ، كان يستحق أن يجد اكثر من اهتمام ليكون نموذج للتغيير والثورات المناهضة للتسلط في العالم .

والناظر الى الحرب في السودان اليوم من شدتها سوف يجد بان الكثير من دول العالم اصبحوا ينظرون إلى الحرب الدائرة بين الدعم السريع والقوات المسلحة “الجيش” ، اشبه بمباراة كرة قدم تنتهي بصافرة ال90 دقيقة ، لذلك تجدهم يعيشون حالة الصمت المستمر وينتظرون الصافرة من (اشخاص يعرفون بعضهم لكنهم لا يتقاتلون ويدفعون ابناء تلك البلاد للقتال فيما بينهم ) .

الحرب التي انطلقت شرارتها في العاصمة الخرطوم يوم 15 أبريل/نيسان 2023، لم تلبث أن تمددت إلى 4 من ولايات دارفور الخمس، ثم إلى ولايات كردفان والجزيرة المتاخمة وسنار ، وهي من المدن والولايات التي تمثل ركيزة اساسية للاقتصاد السوداني وللمواطن ، وقد قدر حجم الخسائر المباشرة بحاولي 150 مليار دولار ، وقد تدمر القطاع الصناعي بنسبة 95 % خصوصا في ولايات الخرطوم والجزيرة ودارفور، مما يمثل 90 في المئة من الصناعة في البلاد.

ولطالما مثل تعدد الجيوش الخطر الأكبر على مستقبل السودان ، وقد ظل التمرد صفة دائمة داخل القوات المسلحة لذلك لا بد من الإدراك بان مرحلة بناء السودان تبدأ من مرحلة بناء الجيش الوطني الواحد بدستور متفق عليه يمنع الانقلابات ويرد المظالم وينهي ظاهر التمرد ، دون ايدلوجيات، ومن ثم اصلاح القضاء ووضع القوانين وتفعيلها ثم تتوالى الاولويات (كرؤية ) .

وقد عاش السودان اطول حرب اهلية في السابق بذات الاسباب التي تتمركز في (كيف يحكم السودان )… حيث انتهت تلك الحرب في جنوب البلاد ، بتقسيم البلاد الى بلدين ، ولم تكن تلك التجربة التي استمرت لسنوات كافية ،ليقف عندها الجميع في الداخل والخارج .

و استمرار القتال في السودان اليوم ناتج عن صمت دولي خارجي يقابله اطماع من قبل دعاة الحرب ،ومواصلتهم في نشر الاكاذيب ،و تخوين الاخرين من دعاة السلام في السودان ، وصناعة الفزاعات ، بالاضافة الى تعدد المصالح وسط الحركات المسلحة ، التيارات الجهادية ،واحزاب سياسية تريد أن تحكم مابعد الحرب داخليا .

كل ذلك دون النظر في الاعتبار بان الحرب ذات تكلفة اعلى وسوف تدفع فاتورتها اجيال ولا احد يحدد سنواتها ، فهل كان احد يصدق أننا نعيش كل هذه المدة من القتال في بلد يعشق انسانه الحب ؟.

ورغم انها أصبحت داخليا هي الواقع المعاش اليوم لدى الشعب السوداني الا ان هناك فئة تقاتل وتنادي بان لا يجب الاستسلام الى فكرة ان الحرب هي الواقع الوحيد الذي عليهم التعايش معه ، لا بد من مناهضة خطاب استمرارها وداعميها من كل الأطراف ، لا يحق لاحد أن يحدد مداها ، خمسة اعوام او مئة عام كما يصرح قادة الأطراف المتصارعة ، الذين لم يعوا الدرس من تجارب السودان في الحروب ، اولئك الذين اعمتهم كراسي السلطة .

كان يجب عليهم أن ينظروا بحجم الاعتبار الى حجم الكارثة الإنسانية التي خلفتها حرب ال 15 من ابريل وسط النساء والاطفال والشيوخ والبيئة.
أن ننظر الى حجم اضرارها داخل المدارس ، والمستشفيات ودور العبادة والنفس البشرية .

ان ينظروا إلى التقارير الحقيقة التي تحدثت عن تقديرات ضحايا الحرب ، حيث تصل إلى 150 ألف شخص، أي أعلى بكثير من التقديرات المعلنة المتحدثة عن 15 ألف قتيل ،في فترة وجيزة ، وهو ما قد يتزايد كلما استمرت شرارة الحرب مشتعلة .

ايضا هناك الالاف من المفقودين القسريين ، المتواجدين في سجون الاعتقال بتهمات مختلفة ، بعضها تم بانتماءات عرقية ، وهؤلاء يعيشون معاناة اكبر .

وبعد إن فشل القادة المحليون في النظر الى مآسي تلك الحرب ، على المجتمع الدولي اليوم أن يتحد و يكون اكثر تحرك نحو شعب السودان المشرد بين الدول لانهاء هذه الفاجعة بالضغط على الأطراف المؤثرة ، وان يعمل لتجاوز اكبر كارثة انسانية شهدها العالم مؤخرا ، حيث بلغ عدد النازحين واللاجئين السودانيين اكثر من 15 مليون ، وهي نسب مقدرة ، حيث يصعب على الوكالات الأممية والسلطات المحلية تقديم أرقام جازمة بعدد النازحين واللاجئين الفارين من مناطقهم مع اتساع القتال وانقطاع خدمات الاتصال والإنترنت في أجزاء واسعة من البلاد بالترافق مع اشتداد المعارك المستمرة منذ عام .

اليوم يحتاج السودانيين من العالم ان ينظر الى تلك المعاناة والكارثة وان يعمل جاهدا لتحقيق السلام في تلك الرقعة الجغرافية المهمة ، وان يساند الشعب السوداني الذي عانى ماعانى من الظلم والتشريد والقتل والتهجير منذ امد طويل .ولا بد للسودانيين وقادة التغيير ، معرفة أسباب الحرب الحقيقية لاقتلاعها من جذورها ، حتى يتم معالجتها بشكل كامل .

الواقع اليوم وبعد هذه الكارثة التي شردت الملايين ، يتطلب من العالم ان يتحرك وان يجعل من موقع السودان الجغرافي والاقتصادي ، أن يكون مكان للسلام والتعايش السلمي وان يكون بوابة للاقتصاد الافريقي .السودان الذي يجاور اكثر من 5 دولة افريقية بريا ويربطه البحر الاحمر مع السعودية واليمن ، يتطلب مجهود دولي أكبر في سبيل انهاء ذلك الصراع الحربي المستمر لعام .


نساء السودان الذين قاتلن وواجهن الرصاص والموت والقهر والاغتصاب منذ ثورة ديسمبر وحتى حرب 15 ابريل ينتظرن أن ينظر العالم الى رغبتهن في السلام بنظرة جهد مضاعف حتى يرجعن الى بيوتهن عزيزات لا منكسراا ، بعد ان شردتهم الحرب .في الختام :

السلام هو أن نزيح من فواهة البندقية رائحة البارود

التعليقات