الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” يحمل صفة رسمية هي “النائب الأول لرئيس مجلس السيادة”، ولعدم وجود “نائب” آخر فإن الصفة تعني أن الشق العسكري في المجلس السيادي يفسح المجال لأحد أعضاء الشق المدني ليشغل المقعد الشاغر، مقعد “النائب”.
سمحت “الوثيقة الدستورية” للشق العسكري في المجلس السيادي برئاسة المرحلة الأولى من الفترة الانتقالية “21” شهراً، على أن يتولى الشق المدني قيادة المرحلة المتبقية حتى الشهر “39”.. وعلى هذا تولى الفريق أول عبد الفتاح البرهان الرئاسة، ثم سادت فترة صمت عن تحديد شاغل منصب “النائب” ويبدو أن العسكريين كانوا يتوقعون أن يتشبث بها المدينون باعتبارات الشراكة لكن لما لم يبد من المدنيين نزعة لشغل منصب “النائب”، أصبح الجنرال حميدتي “النائب الأول”، مفسحاً فرصة إضافية للشق المدني أن يسمي “النائب” الآخر إن رغبوا!
يتحتم هنا السؤال، لماذا لا يريد الشق المدني تحديد “النائب” الثاني لمجلس السيادة؟
حساسية “النائب” الثاني آتية من كونه يصبح تلقائياً “الرئيس” بعد انقضاء الـ21 شهراً العسكرية، و الساسة السودانيون على مر تاريخنا المعاصر منذ ما قبل الاستقلال حتى هذه اللحظة لا يحبذون تحديد “الرئاسة” بينهم.
عندما اخترع الساسة السودانيون “مجلس السيادة” منذ ما قبل الاستقلال في نهاية العام 1955 اجتهدوا لـ”تبديد” مفهوم الرئاسة حتى يتفرق بين خمسة من السادة الذين تولوا المنصب بالتناوب، كان واضحاً أن تسمية سياسي مدني واحد ليكون رئيساً للجمهورية أمر عسير الهضم على بقية مكونات المشهد السياسي.
ورغم ذلك لم يطق الساسة صبراً على “مجلس سيادة” حتى ولو بعدة رؤوس، فسطر التاريخ السياسي السوداني نزاعاً حاداً بين مجلس السيادة “الأزهري” ورئيس الوزراء “المحجوب” لتمثيل السودان خارجياً في مؤتمر القمة العربي بالمغرب، فسافر الرأسان، والطريف أنهما ظلا في حالة “خصام” لا يتحدثان لبعضهما طوال فترة انعقاد مؤتمر القمة، فـ “إبرة” الرئاسة لا تسع خيطين.
و بعد انتفاضة أبريل 1985 ثم الفترة الانتقالية عاد الساسة لحكاية “مجلس سيادة” بعدة رؤوس، ثم الأمر ذاته يتكرر الآن بعد ثورة ديسمبر المجيدة.
باختصار، منذ الاستقلال وحتى هذه اللحظة لم يحظ السودان بـ”رئيس الجمهورية” مدني على الإطلاق، رغم تعاقب خمسة نظم مدنية على حكم السودان.
لإثبات نظرية رفض الساسة لـ”التراتبية”، أنظر إلى “قوى الحرية والتغيير” التي نجحت في قيادة الحراك الجماهيري وأصبحت الآن الحزب الحاكم شرعاً بعد انتصار الثورة، فشلت في تسمية هيكل قيادي لعدة أشهر ثم بشق الأنفس اختارت “المجلس المركزي” بالطريقة ذاتها التي تضمن أن لا يكون هناك “رئيس”، حتى تتساوى الرؤوس.
بعد نهاية فترة الشق العسكري، عندما تحتم الوثيقة الدستورية تسمية “مدني” لرئاسة المجلس السيادي! من سيتولى المنصب، د. عائشة أم رجاء أم التعايشي أم الفكي أم شيخ إدريس أم تاور؟ أم “رئاسة” بالتدوير بينهم؟.
المقالات
التعليقات