لم أكن أود أن أكتب عن هذا ولكن كان لابد من كلمة حق تقال في حق شباب كانوا نقطة تحول في تاريخ البلاد، جميعنا قد سمع بكذبة أبريل ولكن أنا سأقول حقيقة أبريل، في فجر ليلة ٧ أبريل رأيت بأم عيني كيف يكون حب الوطن والثبات على المبادئ لشباب في مقتبل العمر معظمهم ولد في عهد الرئيس المخلوع، لم يروا من الحياة إلا ضياع الآمال في ظل نظام شمولي عمل على تدمير الوطن وسرقة موارده وذل إنسانه وضياع سيادته، رهط من الشباب تبايعوا على (تغيير ذلك النظام وتحقيق حلمهم بوطن ينعم كل ربوعه بالأمن والاستقرار، وطن لا ترى فيه حزن والد ذهب بابنه للطبيب وعندما كتب له الطبيب العلاج لم يجد ذلك العلاج او وجده ولكن لم يكن يملك ثمنه، وطن يكون الراعي والرعية فيه سواء أمام القانون، وطن يتساوى بنوه من أقصى الغرب الى أقصى الشرق ومن أقصى الشمال الى أقصى الجنوب في الحقوق والواجبات، وطن لا تكسر سيادته لأي جهة كانت ولا يعتمد على الهبات وهو به من المساحات الزراعية والثروة الحيوانية والمعادن النفيسة ما يجعل هذا البلد من أغنى البلدان في العالم) أو الموت وهم يحاولون ذلك، وبالمقابل كان معاونو الطاغية يحملون أسلحتهم لقتل تلك الأحلام التي تشملهم وتشمل حلم أبنائهم وأحفادهم، كانوا يحملون الموت لهؤلاء الشباب، بينما كان الشباب يحملون لهم الحياة الكريمة، يومها رأيت من الشجاعة ما لا يصدق، شباب يرون حتفهم أمام أعينهم ولكنهم يسيرون اليه من غير أن ترف جفونهم طالما ان هذا هو الطريق الصحيح، لم يكونوا كثرا بل كانو ثلاثمائة أو يزيدون قليلا، هؤلاء من كانوا في المقدمة واقفين على خط النار، يومها لم أكن أعرف منهم شخصا وليقيني ان منهم كثرا أتوا بمفردهم لم يكونوا يعرفون احدا من الذين يقفون معهم على خط النار، ولسان حالهم يقول:
وطني وطني
نحن الأسود الضاريات
تحدثت عنا المواقع
لا نرهب اليوم العصيب
ولا تروعنا المدافع
كالسهم كالقدر العتي
وكالرعود وكالقواطع
فيما يعزك صادقين
نفني النفوس ولا نلين
ونفى بوعدك سائرين
لنرد كيد الكائدين
لنراك فوق العالمين
نعم كانوا لا يتعارفون ولكن في الحقيقة كانت قلوبهم تتعارف جميعا في حب الوطن وكل شخص ينظر الى الذي معه كأنه اخيه ابن أمه وأبيه، رأيت ذلك في نظراتهم لي بعد هجوم معاوني الطاغية عليهم أمام مقر قيادة قواتنا المسلحة التي جاءوا اليها ليقينهم أن من وصل حرم قواته المسلحة فهو أمن، لم يذهبوا لأي مكان آخر لثقتهم بقواتهم المسلحة، ولكن قيادة القوات المسلحة واللجنة الأمنية بمكوناتها جميعا آثرت الخنوع وقررت ان تضحي بأرواح من جاءوا إليها خوفا من الطاغية وجبروته وحفاظا على كرسيه، رأيت ذلك الحزن والخوف علي كأنهم يعرفونني منذ زمن بعيد، وكيف أنهم يحيطون بي ومستعدون ان يضحوا بحياتهم لأجل حياتي وقد فعلوا ذلك عدة مرات فعلوها عندما تم إرسال قوات من الشرطة العسكرية لاعتقالي فاعترضوهم قبل أن يقتربوا مني، وفعلوها عندما تم اعتقالي أثناء حواري مع ذلك الجبان والذين معه وتبادلوا معهم الضرب واللكم حتى خلصوني من بين أيديهم، وفعلوها عندما أشرقت شمس السابع من أبريل عندما تحرك أحدهم بمدرعة نحوي واعترضوا طريقه واضعين أجسادهم على الأرض أمام المدرعة بأن يأخذ صاحبها حياتهم قبل أن يصل الي، وفعلوها عندما ألبسوني علم السودان ولبسوه كذلك حتى لا يميز القناص بيننا، وهنالك الكثير الذي لا يحكى، يومها رأيت الدروع البشرية بعيني دروع برغبتها لا باستخدامها او إجبارها، رحم الله الشهداء.
مآب حنفي
وأحمد تبيدي
وعمرو جمال
وأحمد عبد الرازق
فهم أول من قدم روحه ودمه دفاعا عن اعتصام القيادة العامة وضعوا أجسادهم متاريس لغيرهم في اليوم الأول وقدموا دماءهم رخيصة ليحفظوا بها دماء الآلاف من أبناء وبنات الشعب السوداني، والرحمة والمغفرة للشهيد المعز عطاي الذي استشهد مع غروب شمس السادس من أبريل بالأربعين، والتحية للذين أصيبوا والتحية لرفاقهم الذين صمدوا بعد استشهادهم وواصلوا قضيتهم في المقدمة على الرغم من قلة عددهم وعلى الرغم من أنهم شاهدوا إخوتهم ورفاقهم فارقوا الحياة أمام أعينهم والتحية للذين جاءوا مع شروق الشمس للخط الأمامي وزادوا من عزيمة إخوتهم، ستظل أمسية السادس من أبريل وصبيحة السابع من أبريل محفورة في الذاكرة بكل حزنها وخذلانها. وكذلك يومها أيقنت أن في السودان شبابا مستعدون لكل شيء من أجل هذا الوطن، يومها رأيت الشجاعة بعيني بأن تواجه الموت بالصدور والحناجر ورأيت الجبن كذلك بأن تحمل السلاح وتصوبه نحو أعزل، وكذلك ان تقف متفرجا على موت شعبك فقط لأن الطاغية أراد ذلك.
الرحمة والمغفرة للشهداء وربنا يشفي المصابين ويرد المفقودين.
المقالات
التعليقات