ضل الدليب….

صديقي مماي من دولة إثيوبيا الشقيقة دخل السودان في تسعينيات القرن الماضي..ينحدر من قبيلة الأمهرا…
مكث بالسودان فترة ليست بالقصيرة مكنته من معرفة كل تفاصيل عاداتنا وتقاليدنا وديانتنا يمتاز بذكاء خارق وبديهة حاضرةوفكاهة فطريه..
يعمل في الميناء البري في مجال سفر الاثيوبيين من والي الخرطوم..
ملامحه اقرب الي السودانيين.. أضاف إليها لبس نظارات سوداء وخوذة سوداء يضعها علي راسه حين يقود موتره الجديد غير المرخص.. في رحلة للذهاب والعودة مابين سكنه في الديم ومقر عمله في الميناء البري..عددا من المرات في اليوم وهو يمر بإشارة المرور سنين عددا ملقيا التحية عبر ضغطه علي بوري الموتر مسلما علي حضرة الصول في تلك المحطه والذي يفسح له المجال تارة ويشيح ببصره منه تارة اخري ظنا منه انه من عتاة أفراد جهاز المخابرات الوطني..الي أن راودته نفسه ذات يوم في ان يتناول وجبة الافطار في محطة سبعه جوار هيئة المياه في ذلك المطعم الشهير بوجبات البلدي الشهيه رفقة بعض أصدقاءه من الاخوة الأحباش فكان أن انداح في الحديث وأندمج وهم يتجاذبونه باللغة الأمهرية فكان أن تفاجأ بيد غليظة تخبط علي كتفه ولما التفت وجده حضرة صول مرور محطة سبعة غاضبا يتطاير الشرر من عينيه وهو يصيح كل هذه السنين كنت فاكرك في الجهاز وانت اتاريك حبشي…
فترك العبور بمحطة سبعه منذ ذاك اليوم..
صديقي مماي حياته مليئة بالمغامرة حبلي بالإثارة..
هو من الطائفة المسيحيه لكنه يتعجب من كذب المسلمين في السودان واحتيالهم..عن تجربة وعشرة..فكنت اساله وانت؟؟؟فيجيب بتهكم انا الحمد لله نهائي ما بعمل حاجه حرررام بتخفيف الراء.بسكر فقط والعب القمار ..و… كل هذا ولا تفعل حرام أجيبه ضاحكا..
مر مماي يوما في طريقه برجال شرطه وهم يوقفون فتاة إثيوبيه وكانت الخمر تلعب برأسه فاوقف الموتر وطلب منهم فك الفتاة ولما رفضوا وصل معهم حد المشاجرة فطلبوا منه إبراز هويته فوجدوها بطاقة إثيوبيه منتهية الصلاحية…فاقتادوه الي القسم وأخلوا سبيل الفتاة..فاستغرب مدير القسم وهو يضرب كفيه قائلا..حبشي وسكران وبطاقتك منتهيه الصلاحية وتتشاجر مع البوليس.. فرد عليه ببساطه فضلت أن السجن لنفسي علي أن يقتادوا الفتاة فتعجب مدير القسم من شهامته وأطلق صراحه فورا..
من فكاهاته كان حين يكون يمر بظروف ماديه سيئة يداعب البعض قائلا ؛
انا حبشي ومفلس الم يوصيكم رسولكم علينا حين قال استوصوا بالاحباش خيرا…
رأيت في مماي هذا برا لوالدته المسنه لم أراه في أحد..
كان هو يعمل ضمن مكاتب السفر هذه ويقوم بتقييم العفش المصاحب للركاب والاتفاق علي سعر التذكرة..والتي لا تخلو من الطواقي والكباري والتحايل فكان يأكل حقنا علي عينك يا تاجر من أصحاب البصات والحافلات المسافرة..اما انا فكان يقوم بعمل إشارة الي فمه توحي بأنه قام بشفط جزء كبير من قيمة المنفستو ولكن ذلك ببعض المراعاة للصداقة البينا.فيقول لي لا تخف مااكلت منك كتير..
كون مبالغ طائلة وثروة كبيره يضعها في حفرة ما تحت السرير في منزله ويحمل منها مصاريف أكله وشربه وهواه داخل شرابات الجزمه ..للتهرب ممن يطلب منه مبلغا من المال فيقول لك بثقة فتشني …
كان ماهرا في الكذب والمراوغة ويمكن أن يحلف كاذبا بكل الكتب السماوية..ولكن حين تريد معرفة الصدق والحقيقة فعليك ان تحلفه بحياة ابنته الوحيدة (دنيا) فتجده هنا في أضعف ما يكون واصدق حالاته ويمكن أن يعطيك دور ماء عيونه..وهنأ تتجلي فيه معاني الرابط الأسري والاحساس العميق بالابوة..
اما البر الحقيقي لامه فقد تمثل لي في موقفين فكان يذهب لإحضار عفش الركاب ويحمل البراميل الممتلئه علي ظهره وينزل بها من الطابق الثاني والثالث وهو يتصبب عرقا من معاناة العتاله ووعثاءها رغم إصابته بمرض السكري..فيأتيك كانه علي وشك لفظ أنفاسه الاخيره لكنه رغم ذلك مسرورا يضحك ..وحين تملكتني الدهشة سألته عن السر في ذلك فيقول لي انا انتظر يوم العتالة بفارغ الصبر لأنني أحب أن تأكل امي من عرقي الحلال ..فكان يمنحها هذا المال في يديها لتصرف به علي نفسها اما بقية مال الحرام فيذهب به الي حيث اتي..
اما خلال أشهر الثورة السودانية فلم يخرج للعمل طيلة أربعة أشهر فلما افتقدته واتصلت عليه وجدته حزينا جدا حد البؤس بسبب قطوعات الكهرباء وان والدته المسنه تعاني من الحر الشديد فكان حزينا لعدم امتلاكه مالا حلالا يكفي لشراء مولد لها فظل الي جوارها يهبهبها بيديه طيلة الأشهر الأربع حتي اتصل علي ذات يوم وهو يكاد يطير من الفرح..لانه استطاع توفير المبلغ واشتري المولد الكهربائي لوالدته…
فشكرا صديقي مماي أن علمتنا كيفية البر بيانا بالعمل…

التعليقات