شكراً حمدوك وشلة اليسار المتغطرس الجديد فقد تسربت من بين أيديكم الخيبات والجهالات بالواقع الوطني وبانت عارية في إختياركم الأستاذ صالح عمار والياً لولاية كسلا والتي اثارت النعرات وأدت الي الاصطفافات الضارة وكان يمكن ان يقع نفس الأمر وبذات الشكل ربما اذا اخترتم ناشط من بين أبناء قبيلة الهدندوة، فالخطأ ليس في القبيلة ولكن في غياب الوعي بتفاصيل الواقع.
ولعل ما إقترحه حزب الأمة القومي ان يعين ولاة عسكريين او شبه عسكريين من خارج مكونات ولايات الحدود، يوضح الفرق بين طبيعة تفكير القوي السياسية الوطنية الأصيلة والناضجة وبين تلك العابرة للحدود والغريبة عن واقع الحال.
الأستاذ صالح عمار سوداني أصيل وله كافة الحقوق كمواطن سوداني بما في ذلك حق أن يكون والياً وأن يكون حتي رئيساً للسودان. وبلا ادني شك فان أغلب أهلنا في قبيلة البني عامر هم من المنتمين للسودان اباء عن اجداد وممن ضحوا في سبيل حماية الارض والعرض وقدموا في سبيل ذلك الدماء والارواح وكامت لهم مشاركات مشهودة في رفد الثقافة السودانية والدولة السودانية بالعديد من الافذاذ ويشهد لهم انهم اهل قرآن وعلم وانهم الاكثر استقرار وتحضراً بين قبائل الشرق.
ولكن هناك مشكلة عند اهلنا في قبيلة البني عامر وعند كل القبائل الحدودية في شرق السودان وبالجنوب والغرب، وفي الشمال أيضاً بحلايب وشلاتين. حيث اتخذت مصر ذلك التداخل بين السكان مطية لتجنيس سكان تلك المناطق وانتهت باحتلال الارض السودانية. ولكنها لم تمكن النوبيين في شمال السودان من الجنسية برغم إمتداد الأسر بين الدولتين.
وهذه المشكلة موجودة ايضا بغرب السودان بشكل أوسع، وأكبر نتائج ومظاهر ذلك التداخل السالبة في غرب السودان، تمثلت في تكوين جيش الجنجويد، الذي حرق وقتل وارتكب الموبقات بحق السكان الاصليين في دارفور، والذي ينتمي الكثيرين فيه الي قبائل مشتركة فيما بين السودان ودول الجوار.
ويحمد لأهلنا البني عامر وغيرهم من قبائل التداخل في شرق السودان أنهم لم يصلوا الي مرحلة الجنجويد، ولكن هذا وارد وممكن حدوثه في إطار المشهود من الصراع الذي نراه الآن بين قبيلتي الهدندوة والبني عامر والذي انحدر الي مستوي من الاحتكاكات والاصطفافات القبائلية الخطيرة.
ما كان لأحد من جيل اليوم أن ينتبه الي مخاطر التداخل القبلي قبل ظهور ردود الأفعال العنيفة التالية لإختيار وتعيين الأستاذ صالح عمار والياً لولاية كسلا. إلا أن ذلك معلوم ومفهوم عند الدولة السودانية منذ القدم وظل يمثل تحديات نصت عليها نظم واجراءات منح الجنسية.
الدور الآن يجب أن يتولاه العقلاء والعلماء والحكماء من السياسيين والاكاديميين وقادة المجتمع ومؤسسات الدولة الرسمية، وان يعالج في اطار ورش ومؤتمرات قومية ومساعي تخاطب قادة القبائل ليصمتوا قليلاً ويا حبذا لو يتم استدعائهم بعيدا عن منطقة النزاع والاحتقانات المتبادلة.
تعيين الأستاذ صالح عمار وما تبعه من ردود أفعال نبه الدولة والراي العام الي خطورة أمر التداخل القبلي غير المنضبط مع دول الجوار. ويعتبر ذلك من صميم مسئوليات مؤسسات الدولة المعنية ويجب أن يتم التعامل معه بناءً علي النظم القانونية القائمة علي الموروث من أساليب الفرز الإجتماعي.
ويمكن للدولة أن تتخذ ذلك فرصة لاعادة النظر في النظم المعمول بها لضبط حركة السكان بين السودان ودول الجوار، وضبط شروط الجنسية بشكل أكثر فاعلية.
وجود التداخل القبلي وحركة السكان المفتوحة بلا رقيب بين السودان وكل دول الجوار فتح الفرص لتعديد الجنسيات والي دخول ظواهر اجتماعية خطيرة، وتم إستغلال ذلك انتشار الرشاوي والتكسب المادي ووفر المعلومات والوسائل لتجارة الحدود ولتهريب موارد الوطن. وتجاوز ذلك أفراد القبائل المشتركة الي دخول كل راغب من مواطني دول الجوار في الجنسية السودانية ومن ثم الاستفادة من مميزات المواطن السوداني داخل وخارج السودان في دول العالم، ويستوجب ذلك الضبط وابتكار المزيد من النظم والقوانين والإجراءات الكفيلة.
ان استمرار حركة التداخل بشكلها الفوضوي الماثل سيؤدي الي تفرق دم السودانيين بين الامم والي استمرار اهدار مواردنا الاقتصادية والي تلاشي وجه السودان وضياع هويته وارضه كما هو حال حلايب وشلاتين.
ويمكن للدولة النص علي منع الأفراد الذين ينتمون الي قبائل حدودية متداخلة مع دول الجوار من المواقع القيادية في الولايات الحدودية، مثل رئاسة الشرطة والجيش والبلديات والقيادة السياسية العليا مثل الوالي.
وهذا الإجراء كفيل بالمساعدة في ضبط أوضاع التداخل ودرء اثاره الضارة بالوطن. ولمواطن تلك القبائل الحدودية المشتركة الحق ان يعتلي اي مستوي وظيفي بالدولة بالولايات الاخري الي رئاسة الدولة كونه مواطن سوداني أصيل.
أما موضوع تدخل دول الجوار وتاثير حركة القبائل المشتركة وما ينتج عنه فهو امر مهم وخطير وله انعكاسات اقتصادية مدمرة ونتائجه الاجتماعية خطيرة ويمكن اذا أهمل أن يؤدي الي نتائج سياسية تهدد مستقبل وتماسك الوطن ووحدته.

التعليقات