لا زال طيف الطيب صالح يلازمني في رحلتي هذه ..هذه المرة عرس الزين ..حفل الزواج الذي تفتح له كل بيوتات الفريق ..كان بيت عمي يضج بالناس كل الاهل والجيران ..بعض النسوة كن قد قضين ليلتهن وهن يساعدن الطباخ ..شاهدتهن وهن ينظفن الخضار ويرتبن امر التوزيع ..صواني الفطور تمتد طويلا والعديد من الشباب وهم يستعجلون النسوة ..جيب صحن فول ..وين اللحمة ..العيش ياجماعة ..ابتسمت تلقائيا ..متى كانت آخر مرة رأيت مشهدا كهذا؟ ..
صار الزواج في السنوات الاخيرة معبأ في صناديق جاهزة ..فاقدا للطعم شأنه شأن الطعام المجمد ..الصالة وفطور العريس ..وتبعات البوبار والشو ..لو اتيت صباحا ستجد بيت العرس هادئا لا لون ولا طعم ولا رائحة ..كل في شأنه ..والعجب لو كان هناك (منظم للحفل ) لن تجد من اهل العرس من يعرف التفاصيل ..كل الامور بيد ذلك المنظم او تلك الشركة التي تتولى زمام الأمر ..وتلك قصة أخرى ..لكن الامر في خلاصته ان الفرح قد تمت سرقته ..لن تجد احساس الفرح ..سيكون كله عبارة عن دفتر حساب لما تم دفعه لاؤلئك الذين يخرجون المسرحية ..
لكن هنا ..الامر مختلف ..العرس هو فرح الحارة والشارع …حتى الصغار تجدهم فرحين… تذكرت زيجات اخوتي في عطبرة ..عندما كنا (نستلم )الشارع على حسابنا ..اهلنا يأتون من وادي حلفا والخرطوم وحلفا الجديدة ..فيتم حجز كل صوالين الجيران …الشباب في بيت ناس عم برياب ..البنات في صالون ناس عالم ..وناس رضوان ..الرجال عند ناس الغالي …ولا تعتقد ان بقية البيوت خالية من المسؤولية ..اكيد تم استلاف اواني او سراير او مراتب ..بنات الحي قبل اسابيع في بيت العرس ..تجهيزات وتحضيرات ..هنا تكمن التفاصيل وتبقى الحكايات ..
الذي نمارسه هذه الايام شئ آخر ..قشور ومظاهر ..وانفاق لاموال في غير موضعها ..وبعد فترة لن تتذكر شيئا من تلك الصالات الغالية غير ذلك البرد الذي ارهق عظامنا ..وتلك الاموال التي ارهقت جيوبنا ..كل هذا الزبد يذهب جفاء …لكن الذي يبقى في الارض هو تفاصيل الفرح الحقيقي الذي تشاركناه مع الآخرين ..
انما خلق الفرح لينثر في الاجواء …في فضاءات الأحياء حيث تنصب خيمة العرس في وسط الشارع ..الليلة عرس بت فلان ..وعريسها ولد ناس فلان من الحلة الفوق ..بص السيرة الذي تنتظره البنات امام بيت العرس ..ويأبي السائق ان يتوقف …ويأخد كم لفة ..فقد اخذته (الهاشمية ) ..(سواقنا زينة وحالف ما يدلينا) ..(..جبنا ليك الغالي علينا و..جبنا ليك نور عينينا يا نسيبتو شن بتدوري ) ..اين اختفي بص السيرة يا جماعة ؟
في الشمالية وجدتني اعود الى الزمن الجميل ..زمن الافراح التي تمكث في الارض ..والذكريات التي تظل محشوة بالتفاصيل الصغيرة الجميلة ..الحفل البسيط الذي يحضره الجميع ولاتجد في كروت الدعوة عبارة (ممنوع اصطحاب الأطفال ) ..الحفل الذي يرقص فيه الجميع على انغام الاغاني النوبية ودقات الطار ..هناك في اقصى الشمال كدت ان اسمع صوت الزين وهو يصرخ (يا ناس الحلة هووووي ..انا مكتول في وادي حلفا)
المقالات
التعليقات