وثق له: سراج الدين مصطفي
الفنان العظيم شرحبيل أحمد:
حينما أعاين لمحتوي مفردة فنان وأتأملها جيداً .. تجدني لا أحتار كثيراً في التوقف عند تجربة الفنان العظيم شرحبيل أحمد .. فهو ليس مغن فحسب وإنما مجموعة مبدعين في إنسان واحد .. فهو مبدع شامل ومتكامل وغير منقوص الأشياء .. فهو فنان مغني .. وملحن علي مستوي عالي من البراعة والتقنية والمهنية كما أنه شاعر مجيد كتب الكثير من الأغنيات .. فهو كذلك رسام تشكيلي يعرف كيف يوظف اللون لخدمة فكرة اللوحة .. ولعلنا نذكر جميعاً (عمك تنقو) هذه الشخصية الكاركتيرية التي إبتدعها فنان العظيم شرحبيل أحمد.


صوت معتق وأصيل:
منذ خمسينيات القرن الماضي وشرحبيل صامد وواقف .. يبدع في كل يوم أفكار موسيقية وشعرية وتشكيلية جديدة .. ومازال صوته يتمتع بذات الوسامة والقدرات التطريبية العالية .. فهو رغم أنه بلغ من الكبر عتيا و لكنه مازال يتمتع بذات دفء الصوت وذات القدرات علي التحرك في كل المناطق الصوتية بكل سلامة .. ويعود سر محافظته على صوته انه يعود لتقيده بالمدى المحكوم ومعرفته بقدراته الصوتيه والعمل بما جاء فى كتاب التربية الصوتية والالتزام بترك المحظورات من التدخين والمشروبات الكحوليه والاكل الحار وشرب الماء غير المثلج ..والحفاظ علي الصوت طيلة هذا الزمن يؤكد بأنه كان فناناً ملتزماً لا يعرف (اللف والدوران) وتلك المهلكات التي نعرفها جميعاً.


عهد الثنائيات:
التفرد الإبداعي لشرحبيل ونمطه الغنائي المثير كان نتاج تجربة شعورية ووجدانية فيها الكثير من الشركاء .. ولعل الفن السوداني شهد الكثير من الثنائيات الإبداعية التي لونت الوجدان السوداني .. مثل عثمان حسين وحسين بازرعة .. وردي وأسماعيل حسن .. محمد الأمين وفضل الله محمد وغيرها من الثنائيات التي مازال صداها الإبداعي حاضراً حتي اليوم .. ولعل الشاعر(بشير محسن) يعتبر هو النصف الجمالي الآخر للمبدع شرحبيل.


تجارب ما قبل شرحبيل:
الثنائية الإبداعية ما بين شرحبيل أحمد والشاعر بشير محسن أنتجت العديد من الأغاني الفارعة .. ولكن تأريخيا يمكن القول أن شاعرنا بشير محسن كانت له تجارب غنائية قبل أن يلتقي بشرحبيل أحمد .. فهو بدأ كتابة الشعر منذ أن في المدرسة الثانوية ، قبل أن يبدأ التعاون مع الفنانة (عائشة الفلاتية) حيث كان ذلك في العام 1951 بحسب ما ذكر الأستاذ معاوية حسن يس في كتابه من تاريخ الموسيقي والغناء في السودان .. وللحقيقة أن الشاعر بشير محسن يمتلك أيضاً موهبة التلحين .. إذا أن أحد أغنياتهما الثلاثة المسجلة في الإذاعة كانت من ألحانه ، والأغنيات الثلاثة هي (الملاك السامي) وسجلت للإذاعة في العام 1957 .. وأغنية (آمال) في العام 1958 وأغنية (حبيب وجداني) وسجلت في نفس العام.


مع عائشة الفلاتية:
يحتمل أن عدد الأغنيات التي قدمها بشير محسن إلي الفلاتية أكثر من مما تحتفظ به الإذاعة في مكتبتها الصوتية ، ذلك لأن التسجيل الإذاعي وقتها لم يجد طريقه للإذاعة الا في وقت متأخر من الأربعينيات وإقتصر علي الأسطوانات ولم تدلف الإذاعة الي عهد التسجيل بالشريط المغنطيسي الا في وقت متأخر من الخمسينيات ،حيث لا يعرف سبب واضح لسقوط عدد من أشهر أغنيات عائشة الفلاتية التي صاغها شعراً بشير محسن وربما (لحناً) أيضاً ومنها أغنية (شوفتك غالية يا حبيبي) ، (سمعت مرة كلام) و(مالو القمر).


نجاح الأغنيات:
نجاح الأغنيات ما بين بشير محسن والفلاتية جعل المطربات المنافسات علي التعاون معه ، وقدم وقتها الي الفنانة فاطمة الحاج العديد من الأغنيات منها (كيف حالك) من الحان علاء الدين حمزة ـ أغنية (في قلبي سهام) و(أيه الأسباب) من ألحان عثمان خضر، وقدم لمني الخير أغنية (نظرة بس) وإلي أماني مراد أغنيتها الشهيرة والمعروفة (مبروك النجاح)، وهي الأغنية التي ولجت بها عالم الفن والنجاح، وتعاون بشير محسن مع عدد من المطربين الذين إرتبط بعلاقة خاصة معهم بحكم نشأته في حي البوستة بأمدرمان ومنهم العاقب محمد حسن في أغنية (نور عيني) ورمضان حسن ومحجوب عثمان.


ثنائية مع شرحبيل:
المعادلة الإبداعية عند بشير محسن أخذت وضعيتها وإعتباريتها مع بزوغ نجم الفنان شرحبيل أحمد ، كان بشير محسن وقتها يستند علي أغنياته الناجحة وشرحبيل في بداية سلم النجومية ، وفي ذلك قال (بلا شك أن الراحل بشير محسن كان من أهم وأروع من غنيت لهم، وكنا نشكل تناغماً كبيراً، قدمنا أعمالاً أرضت جمهورنا، فهي تجربة كانت متميزة وفريدة، وكثيراً ما كنا نضع الألحان معاً فهو ملحن أيضاً.حيث تم التعارف بينهما في العام 1953، حيث ذكر بشير محسن عن حفلة كانت في نادي حي البوستة وكان شرحبيل مشاركاً فيها وقال (كنت أعرف موهبته وتفرده ومنذ أن سمعت صوته للمرة الأولي أدركت بأنه صوت يمثلني،أضاف محسن (كنت أبحث عن صوت يعبر عني وتوجهت إليه وعرفته بنفسي وقلت له إنني إعجبت بك وأريد أن نتعاون سوياً).


عهد جديد في الأغنية السودانية:
ذلك التعارف العفوي والحميم كان هو بداية إنطلاقة عهد جديد في الأغنية السودانية ،حيث شرحبيل أحمد الفنان المتجاوز وقتها بطريقته الغنائية الجديدة وأسلوبه المتفرد في التلحين كل ذلك تطابق مع الموهبة الشعرية الفذة ، فكان الناتج إبداع إبداع مختلف مازال صداه يرن حتي الأن وتتناقله الأجيال الي يومنا هذا .. وتميزت الأعمال الغنائية لشرحبيل أحمد وبشير محسن بالألحان الراقصة الهادئة والجمل الموسيقية القصيرة. واعتمد كثيراً على آلات النفخ النحاسية كالساكسون و الترمبيت و الترمبون والباص جيتار و الجيتار و الأرغن ، وذلك في تمازج مع الإيقاعات السودانية المختلفة ،حيث غني شرحبيل أحمد لبشير محسن قائمة من الأغنيات (مين في الأحبة ــ أبوشعور رقيقة ـ خطوة خطوة ـ لوتعرف الشوق ـ البهجة في عينيك ـ قلبي دق ـ ستار يا ليل ـ يا شاغلني ـ يا تايه في ظلام الحب ـ مناي أشوفك تاني.
رصانة إبداعية:
كلها أغنيات إتسمت بالرصانة اللحنية والصياغية ، وشكلت بعثاً جديداً في الأغنية السودانية ..

التعليقات