(1)
لولا أن نص البيان الختامي الصادر عن قمة “إيقاد” الاستثنائية التي عقدت بجيبوتي الأحد الماضي جاء مذيلاً بمصدر هو “إعلام مجلس الوزراء” لأنكرته وشكّكت في أمره من فرط استهانته بشأن السودان وتدخله المهين في شؤونه الداخلية، والمفارقة أن يحدث ذلك والسودان يتولى رئاسة المنظمة التي لم تجد من بين الدول الأعضاء السبع من تستأسد عليه غير هذا البلد الذي لا وجيع له، والذي أصبح التدخل في خاصة شؤونه الداخلية أمراً مرغوباً ومرحباً به بشدة عند ولاة أمره ترتع فيه حتى الدول الصغرى الفاشلة، دعك من كبريات القوى العظمى الي تريد أن تصدّر إليه نظامها السياسي، كما تصدّر له “الكاتشاب”.
(2)
فقد جاء في الفقرة الثالثة من البيان “دعا الاجتماع حكومة السودان والأطراف الأخرى إلى إنشاء المجلس التشريعي الانتقالي دون مزيد من التأخير”!!!، والسؤال مال “إيقاد” وما دخلها بإنشاء المجلس التشريعي الانتقالي، ومن الذي نصبُها قيًماً على الاستحقاقات الدستورية الواجب تنفيذها على قيادة الحكم الانتقالي ويقع في صميم مسؤوليتها، ومن يتحمل حق مساءلتها عن التقصير في ذلك هو الشعب السوداني وحده. وليتها كانت مجرد دعوة بنية حسنة بل مضت لتفرض أمراً وتقدم بين يديه إنذاراً “دون مزيد من التأخير”!!، هل يُعقل أن يكون السيد رئيس الوزراء ورئيس القمة وافق على هذه “الاستهانة” به وبحكومته وبعجزها عن الوفاء بهذا الاستحقاق الوطني الدستوري إلى درجة أن يقبل بإنذار من دول فاشلة لتفرض على الطبقة الحاكمة أن تأتمر بأمرها، إذاً فماذا أبقى لسيادة بلده؟! وهل يُعقل ان يكون هذا شأن السودان بعد ثورة شعبية مجيدة؟
(3)
ربما لم يكن الامر ليثير الاهتمام لولا اكتشاف أنه من بين الدول الأربع التي ورد ذكرها في هذا البيان لم تجد “إيقاد” من تمارس عليه الوصاية غير هذا البلد المنكوب بقادته، وثالثة الاثافي تكشفه ما ورد بشأن إثيوبيا التي لم تجرؤ المنظمة التي تهيمن عليها أديس أبابا سوى ترديد مقولات رئيس وزرائها بشأن الوضع في بلاده حرفياً، فقد جاء في الفقرة العاشرة من البيان “استمع الاجتماع إلى إحاطة من دولة الدكتور آبي أحمد علي رئيس وزراء جمهورية إثيوبيا الفدرالية الديموقراطية بشأن العملية في إقليم التيغراي، وأعاد التأكيد على أولوية النظام الدستوري والاستقرار والوحدة في جمهورية إثيوبيا الديمقراطية الفدرالية” هكذا أثرت “إيقاد” أن تبصم بالعشرة بكل بساطة على الموقف الرسمي الإثيوبي، متجاهلة على الأقل الكلفة الإنسانية للحرب في إقليم التقراي مكتفية بالقول “رحب المجتمعون باتفاق 29 نوفمبر 2020م الذي يسمح بوصول الدعم الإنساني بصورة سلسة ومستدامة وآمنة”.
(4)
بالطبع لا يمكننا أن نلوم الحكومة الإثيوبية ولا رئيسها أبي أحمد على التمسك بكل قوة ب “سيادة” بلاده والحفاظ عليها، وفرضه على الآخرين عدم التدخل في شؤونها تحت أية ذريعة، وقد رأينا رفضه القاطع لأي تدخل أو وساطة في قراره خوض الحرب في إقليم تقراي، أو الخضوع لأي ضغوط بهذا الخصوص، وهو ما يكشف عن الفرق بين الدول والحكومات التي تقاتل من أجل الحفاظ على سيادتها الوطنية باعتبارها مهمة مقدسة، وفي الصلابة التي يتمتع بها القادة المدركون لمعنى القيادة وواجباتها، وبين تلك الدول الهاملة التي أصبح التدخل في شؤونها سداح مداح متاح لكل من هب ودب، وللاسف الشديد أن ينتهي بالأمر بالسودان بعد ثورة مجيدة أن يكون دولة هشة خاضعة بالكامل لكل أنواع التدخلات الخارجية على نحو غير مسبوق، وهو داء عضال أصاب التهافت للقبول به بلا تأنيب ضمير ترويكا الانتقال بكل مكوناتها المدنية والعسكرية على حد سواء.
(5)
ثم هل يُعقل أن تغفل قمة يترأسها السودان أن يتضمن بيانها الختامي سطراً واحداً يحفظ له حقه في بسط سيطرته على أراضيه ضمن حدوده الدولية المعترف بها؟! بالطبع لا يعدو الأمر أن يكون مجاملة أخرى لإثيوبيا التي انعقدت قمة “إيقاد” خصيصاً من أجل خدمة أجندتها، ولتحصين موقفها ضد الضغوط دولية على خلفية حرب تقراي، بشهادة محللين من دول الإقليم، ومفوضية الاتحاد الأفريقي التي انضمت هي الأخرى إلى هذه الجوقة، ولعل الأمر الوحيد البالغة الغرابة في هذه القمة المسرحية أن يكون بطلها السودان العاجز عن الدفاع عن حقوقه أو عن الحفاظ على سيادته الوطنية.

التعليقات