أستهلُ مقالي هذا بقصة مثل استمعت إليها من إذاعة البي بي سي وأنا طالب بالمرحلة الثانوية ، حيث جاء في المثل : ( أُكِلْتُ يومَ أُكِلَ الثورُ الأبيض ) ، يُحكى أنَّ مرفعين ً وجد قطيعاً مكوَّن من ثلاثة ثيران ؛ أسود وأحمر وأبيض ، فأراد الهجوم عليهم فصدوه معاً وطردوه من منطقتهم ، ذهب الأسد وفكَّر بطريقة أخرى ليصطاد هذه الثيران خصوصاً أنَّها معاً كانت الأقوى ، فقرر الذهاب إلى الثورين الأحمر والأسود وقال لهما: ” لا خلاف لديَّ معكما ، وإنما أنتم أصدقائي وأنا أريد فقط أن آكل الثور الأبيض كي لا أموت جوعاً ،أنتم تعرفون أنني أستطيع هزيمتكم لكنني لا أريدكم أنتم بل هو فقط . فكر الثوران الأسود والأحمر كثيراً؛ ودخل الشك في نفوسهما وحب الراحة وعدم القتال فقالا: المرفعين على حق، سنسمح له بأكل الثور الأبيض. وبالفعل هجم المرفعين على الثور الأبيض وأكله، وقضى ليالي شبعاناً فرحاً بصيده. مرت الأيام وجاع المرفعين، وحاول الهجوم على الثورين، فصداه معاً ومنعاه من اصطياد أحدهما بل ضرباه بشكل موجع، فعاد إلى منطقته متألماً منكسراً. قرر المرفعين استخدام الحيلة السابقة نفسها، فنادى الثور الأسود وقال له: لماذا هاجمتني وأنا لم أقصد سوى الثور الأحمر؟ قال الثور الأسود: أنت قلت هذا عند أكل الثور الأبيض. فرد المرفعين: ويْحَكَ أنت تعرف قوتي وأنني قادر على هزيمتكما معاً، لكنني لم أرد أن أخبره أنني لا أحبه كي لا يعارض. فكَّر الثور الأسود قليلاً ووافق بسبب خوفه وحبه الراحة. في اليوم التَّالي اصطاد المرفعين الثور الأحمر وعاش ليالي جميلة جديدة وهو شبعان. مرَّت الأيام وجاع المرفعين وعاد وهاجم مباشرة الثور الأسود وعندما اقترب من قتله، صرخ الثور الأسود قائلاً: ” أُكِلْتُ يومَ أُكِلَ الثورُ الأبيضُ “
يُضْرَبُ هذا المثل لمن يتنازل عن المبادئ والقيم والأخلاق ويبيع إخوانه بثمن بخس دراهم معدودة ، فسيكون مصيره حتماً مصير إخوانه ، ينطبق هذا المثل على الأخ نائب مدير المركز القومي للمناهج والبحث التربوي، الذي جمعتنا معه المبادئ والقيم للدفاع عن مناهج أبنائنا وفلذات أكبادنا وشهدنا مُرّ الأيام في عهد الإنقاذ ، تضررنا في أنفسنا وفي أهلينا وفي وظيفتنا ،لكن صبرنا إلى أن فجَّرنا الثورة مع شبابنا وشهدائنا ورفعنا شعار : حرية سلام وعدالة ، وتم تعيين الأخ المشار إليه نائباً لمدير المركز القومي للمناهج ، فهنَّأناه بالمنصب وطلب منَّا النصيحة فنصحناه بأن يكون على مسافة واحدة من رعاياه ، وأن يظلَّ على المبادئ لاسيِّما وأنَّه الآن في مكان اتخاذ القرار ،إلَّا أنَّ المواقف والمناصب تبيِّن معادن الرجال ففي عهده نقل مدير المناهج عددا من خبراء المناهج من بخت الرضا إلى إحدى وزارات التعليم الولائية ، وهذ النقل يخالف قوانين ولوائح المركز القومي للمناهج ، فلم لم يدافع النائب عن زملائه ، وسلَّمهم فريسة سهلة لمدير المركز ، بل واستمر النائب المُقال في عقد مجالس المحاسبة للموظفين ، وتقديمهم لقمة سائغة للفصل من الخدمة ، والأدهى والأمر أنَّ النائب المُقال هو العضو الوحيد من بخت الرضا في لجنة تأليف كتب التاريخ ، حيث حُذفت أهم دروس الثورة المهدية في عهده وهو ابن الأنصار غير البار يسكن في مضاربهم ويمشي في أسواقهم ، ومن هذه الدروس التي حُذفت أسباب قيام الثورة المهدية وحملة هكس باشا ،بل وحُذفت كل وقائع الثورة المهدية ، حيث برر مدير المركز لهذا الحذف بأنَّهم يريدون أن يبتعد التاريخ في هذا العهد الجديد عن التزييف ، وأن يقوم على الحقائق ، حتى لا نخدع أنفسنا وأبناءنا ، أو نجامل فردا أو جماعة على حساب الحق ، انتهى كلام المدير ، ولنا أن نسأل النائب المُقال : هل تاريخ الثورة المهدية الذي درسناه والذي كتبه الأستاذ مندور المهدي مزيَّف ؟! لماذا لم يدافع النائب المُقال عن تخصصه، ولماذا سكت عن الحق؟! لماذا لم يدافع عن زملائه ويعتذر عن المشاركة في حذف تاريخ بلادنا؟ لماذا اتَّسم عهده بمجالس المحاسبة والتحقيق ومطاردة الموظفين والعمال المساكين؟!
على كُلٍّ وجد قرار إعفاء نائب مدير المركز القومي للمناهج من منصبه ارتياحا كبيرا وقبولاً وسط خبراء بخت الرضا وموظفيها وعمالها الذين قدّمهم كبشاً؛ بغرض بقائه في المنصب، ولكنَّه في النهاية صرخ صرخة شبيهة بصرخة الثور الأسود قائلاً: فُصِلْتُ يومَ فٌصِلَ زملائي ” فجاءت الصرخة اعترافاً بما فعله؛ وعظة وعِبرة له ولغيره.
المقالات
د. عوض أحمد أدروب يكتب :إعفاء نائب مدير المركز القومي للمناهج والبحث التربوي من منصبه

التعليقات