الخرطوم : أحمد جبارة

شكلت منطقة البحر الاحمر محور اهتمام العديد من القوى الإقليمية والدولية، لاعتبارات سياسية واستراتيجية ،حيث يعد المعبر والشريان الرئيسي للتجارة الدولية ، كما يعتبر أحد البوابات المركزية لناقلات النفط الخليجية، وممراَ للتحركات العسكرية لبعض القوى الكبرى المتجهة لمنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي وافريقيا ، كل ذلك ساهم في إشتداد التنافس الدولي والإقليمي للحصول على موطى قدم فيه ، وبالفعل أشتد الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا في الايام الماضية حوله ، حيث شهد ميناء بورتسودان أمس وصول السفينة الحربية الروسية الفرقاطة “ادميرال غريغور روفيتش” وكان في استقبال السفينة قائد الأسطول البحري بقاعدة بورتسودان البحرية العميد بحري الصادق إبراهيم وقادة الوحدات بحضور السفير الروسي بالخرطوم مستر غيورغي والملحق العسكري بالسفارة الروسية العقيد بحري فاليري غولو بتشوف ، وقال بيان صادر من اسطول البحر الأسود الروسي ، إن وصول الفرقاطة سيكون بداية لوصول سفن أخرى ، وأعلن البيان أن الهدف من وصولها هو إعادة تموين السفينة واستراحة طاقمها بعد مشاركتها في المناورات العسكرية ” أمان ٢٠٢١ “والتي دارت في بحر العرب منتصف فبراير.

امريكا على الخط
لم تكن السفينة الروسية “الفرقاطة” هي السفينة الوحيدة التي رست في الأيام الماضية في ميناء بورتسودان ، حيث سبقتها بأيام سفينة نقل سريع تابعة لقيادة النقل البحري الأمريكي العسكري «يو-س-إن-إس كارسون سيتي» ، وقالت السفارة الأمريكية بالخرطوم في بيان صحفي ، إن زيارة السفينة البحرية الأمريكية للسودان تعتبر أول زيارة منذ عقود، وتسلط الضوء على استعداد القوات المسلحة الأمريكية لتعزيز الشراكة المتجددة مع القوات المسلحة السودانية ، وقال النقيب كابتن فرانك أوكاتا، قائد القوات البحرية، قيادة النقل البحري في أوروبا وإفريقيا وقائد الفرقة 63: «يشرفنا العمل مع شركائنا السودانيين في تعزيز الأمن البحري» ..التسابق المحموم بين روسيا وأمريكا نحو البحر الأحمر يفرز عدة تسأؤلات أبرزها ، لماذا حدة التنافس على البحر الاحمر ؟ وماهي الاستراتيجيات التي ستنتهجها روسيا والولايات المتحدة لتوسيع رقعة نفوذها في البحر الاحمر ؟ وماهي تداعيات التنافس الامريكي الروسي في البحر الاحمر على أمن المنطقة؟

ساحة معارك
الخبير العسكري يأسر أحمد محمد الخزين يذهب في حديثه لـ(الجريدة) إلى أن مايجري علي أرض السودان ومن خلال تواجد الكثير من السفن الاجنبيه عليه يؤكد أن ميناء بورتسودان يمثل أحد ساحات المعارك من خلال موقعه الجغرافي الإستراتيجي وأطماعا لكل الدول لاسيما قطبي القوة أمريكا و روسيا ، حيث السيطرة عليه أوإيجاد موطئ قدم به- بحسب الخزين – يعد إنجازا وبعدا من الأهمية بمكان لاسيما في ظل وجود تيارين سياسيين بالسودان أحدهما يدعم المحور الغربي ( الأمريكي السعودي الأماراتي المصري) والآخر يدعم المحور الشرقي(الروسي التركي القطري) ، وتابع ، في ظل هذا الإحتدام يسارع كل محور ليحظي بكسب الموقف السياسي وإنحيازه لجانبه ، مطالبا في ذات الوقت الحكومة عدم إنحيازها لمحور دون آخر ، مشددا على ضرورة النظر للمصالح المشتركة مع كل محور وترجيح مصلحة السودان أولاً في كل صفقة تتم أوإتفاقية تبرم باعتبار أن أي محور ستكون نتائجه سلبية بل كارثية كما حدث في عهد الإنقاذ ومعاداتها لأمريكا حيث نتج من خلاله حصار إقتصادي ودخول في قائمة الدول الراعية للإرهاب وملاحقات المحكمة الجنائية إلى غيرها من القضايا التي أثرت علي العلاقات الدبلوماسية والإقتصادية والأمنية وحتى روسيا التي انحازت لها الإنقاذ رجحت مصلحتها مع أمريكا ودول محورها ولم تنحاز لجانب الإنقاذ كما فعلت مع نظام بشار الأسد ، وأضاف ، اللعبة الآن تغيرت والمفاهيم تبدلت فأرجو من القائمين على سدة الحكم وهنا أخص الجناح العسكري بالنظر لمآلات هذا الإحتدام المحموم والصراع المتسارع على مينائنا الشرقي ومياهنا الإقليمية وإستثمار هذا التدافع لتغليب مصلحة السودان وقطف ثمار التكالب .

*تاسبق محموم
ولم يذهب بعيدا عن الخزين الخبير العسكري الأخر ، عبدالرحمن أبو مجاهد حيث قال لـ(الجريدة) إن وصول سفينة النقل السريع الامريكيه خلال الايام الفائته شواطي بورتسودان يمثل بالفعل نقلا سريعا في خطوات تطبيع العلاقات العسكرية بين السودان والولايات المتحده والتي بحسب ابو مجاهد تسير بخطى متسارعه ، مستدلا بتصريح النقيب فرانك ايكارت والذي قال إن التنسيق مع قوات البحرية السودانيه يمثل شرف لقوات الارتباط الامريكيه في افريقيا ، مؤكدا أن ذات الحديث يمثل نقله كبيره لتقييم القوات الامريكيه للدور المحوري الذي يمكن ان تلعبه القوات السودانيه في اي خطط او تحركات استراتيجيه مستقبليه ، وقال ابو مجاهد ، إن التسابق المحموم في هذا الملف بين الولايات المتحده وروسيا التي سبقت امريكا بإنشاء قاعدة للدعم اللوجستي لها قد سبقته صراعات وتسابقات إقليميه بين مختلف المحاور كقطر وتركيا من ناحية والامارات والمملكة العربيه السعوديه من ناحية اخري ، وذلك لايجاد موطى قدم لها والسيطره علي مواني البحر الاحمر من خلال إستئجار مواني في السودان وارتريا وجيبوتي ، وأكد عبدالرحمن أن العقوبات الامريكيه ودمغ السودان بالارهاب هي التي كبلت السودان من انشاء مثل هذه العلاقات والتي قال إنها حتما سيكون لها تأثير كبير على كل النواحي الاقتصاديه والسياسية والعسكريه مما يوثر بصورة ايجابيه على ملف التنميه والبنيات التحتيه ، وتابع ، التسابق الامريكي الروسي للفوز بقواعد في السودان يلقي الضوء علي وجود قوات سودانيه مدربه على أعلي طراز ومتمرسه ووجود قيادات علي أعلى الهرم العسكري قادرة علي فتح ابواب التنسيق والارتباط والتحالفات وتبادل الخبرات ، مؤكدا إنه دليل على الاحترافيه العاليه التي يمتاز بها الجيش السوداني ،والتي جعلته يصنف في المرتبه السادسه والعشرين على مستوى العالم في القوات البرية.

تنافس مختلف
فيما يرى أستاذ العلاقات الدولية بالجامعات السودانية والمختص في شؤون القرن الافريقي “الرشيد محمد أحمد” أن التنافس الروسي الامريكي في منطقة البحر الاحمر قديم بيد أنه الان أخذ شكل مختلف لاسيما بعد التغيير الذي حدث في السودان ، مؤكدا أن البحر الاحمر تتقاطع فيه إستراتجيات كثيرة من الدول ، بجانب إنه مربوط بأمن الخليج العربي والقرن الافريقي ، لافتا إلى إنه معبر لإيرادات الولايات المتحدة الامريكية ، داعيا الحكومة إلى ضرورة الاستفادة من هذا التنافس المحموم لصالح أمن السودان ، وقال الرشيد في حديثه لـ(الجريدة) : إن الولايات المتحدة بعد التغيير تسعى ليكون لها وجود في البحر الاحمر ، مستدلا بالمواقف التي برزت منها عقب الثورة حيث كانت بحسب الرشيد ، تدعوا إلى دعم الحكومة المدنية والتحول الديمقراطي في السودان .
*ضغوط أمريكية
ويذهب بعيدا عن الرشيد ، المحلل السياسي الفاتح محجوب ، إذ يقول لـ(الجريدة): إن العلاقات بين السودان وجمهورية روسيا علاقات عادية جدا والمصالح بين الدولتين كانت ضعيفة جدا قبل الإنقاذ ، مستدركا ” لكن في أواخر حكم الرئيس البشير بدأت الحكومة السودانية توثق علاقتها مع روسيا لموازنة الضغوط الامريكية على النظام وهو الامر الذي دفع الرئيس البشير لتقديم عرض لروسيا يتمثل في إعطائها قاعدة عسكرية في ساحل البحر الأحمر لكن سقوط البشير ادي لتعطيل مشروع القاعدة ” وتابع ” بعد سقوط البشير حاولت روسيا التنسيق مع المكون العسكري الذي يمسك بالقرار الأمني في البلاد وفق الوثيقة الدستورية ولكن لم يتخذ الجانب السوداني قرارا حاسما سواء بالرفض او القبول حتى الان ” مؤكدا أن روسيا مازالت تحتفظ بعلاقات قوية مع المكون العسكري في السودان ، واردف ، اما أمريكا فهي تلعب حاليا دور عراب النظام الجديد في السودان فهي التي تشرف على عملية تمويل النظام وتطبيق الإصلاحات الاقتصادية وتعمل علي ربطه بإسرائيل مع تقديم مساعدات اقتصادية متنوعة وتتبني عملية إعفاء الديون الخارجية السودانية وتعمل علي تهيئة السودان للاندماج في النظام الاقتصادي الدولي وبالتالي ذات علاقات قوية جدا مع كافة مكونات الحكومة الانتقالية سواء المكون العسكري او المدني ، لافتا إلى إنها لم تطالب بقاعدة عسكرية ولم تسعى إليها ، مستدركا ، لكن زيارة عدد كبير من القادة العسكريين الأمريكيين تعد إشارة إلى ان السودان بات ينظر إليه كدولة صديقة لأمريكا بخلاف ما كان ابان النظام السابق ، واعتبر أن ما يحدث الان على ساحل البحر الاحمر ليس سباق محموم بين روسيا وأمريكا بل هو خطوات لتوثيق العلاقة مع حكومة جديدة تتلمس أقدامها وليست لها تحالفات دولية ضد او مع أي دولة كبرى .

تسابق قديم
الخبير العسكري الصوارمي خالد سعد يقرأ السباق الروسي الامريكي على البحر الاحمر من عدة زوايا ، إذ يقول ، إن التنافس العالمي على الموارد والمناطق الجغرافية موجود منذ القدم ، لاسيما من دول القطبين أمريكا وروسيا ، وبحسب الصوارمي ، فإن هذا التنافس بغرض البحث عن موطئ قدم للدولتين في سواحل البحر الاحمر والذي يرى إنه يكتسب أهمية لكل دول العالم باعتباره منفذ لعبور البترول والغاز من الشرق الاوسط لأوربا ، وكذلك من افريقيا لدول شرق اسيا وروسيا ، وقال الصوارمي في حديثه لـ(الجريدة) إن السودان في عهد النظام السابق كان يطالب روسيا بإنشاء قاعدة لها في البحر الاحمر وذلك من أجل فرض هيبة الدولة في المنطقة لاسيما إنه كان تفرض عليها عقوبات من الولايات المتحدة الامريكية ، وراى الصورامي أن زيارة السفن الاجنبية للسودان لاتعني بناء قواعد في البحر الاحمر وربما يكون الهدف منها زيارة هذه السفن هو التزود بالدعم اللجوستي والوقود ، او زيارات أجتماعية بغرض تدريب القوات السودانية ، وقطع بأن الحكومة السودانية لن توافق على بناء قاعديتن لدولتين في منطقة وأحد لجهة من ناحية أمنيه ستحدث أحتكاكات قد تقود إلى حرب بين هذه القاعدتين .

التعليقات