جماهير الشعب السوداني تتابع في دهشة مجزرة آمال أولياء أمور طلاب الشهادة الثانوية علي ابواب مؤسسات التعليم العالي. ويشتكي اولياء امور الطلاب الي رب السماء الظلم وانغلاق الحال والمستقبل في أعين ابنائهم من المتفوقين. الاحصاءات تشير الي ان اعداد الطلاب المتفوقين من الذين حققوا اكثر من تسعين بالمائة تجتوزت العشرة الاف مضافا لهم ما يقارب نصف هذا العدد من حملة الشهادات الاجنبية، وكان يحدوهم الامل في دخول الجامعات العامة جزاءً مستحقا لما بذلوه من تعب وما اثبتوه من قدرات ذهنية وارادة وثابة يحتاجها مستقبل الوطن لينهض ويسابق الامم..
دعونا نكن واضحين. الازمة الحقيقية في وجود الوزيرة صغيرون وطاقم الكيزان وهيمنتهم علي الوزارة وتقييد الامكانات الوافرة في كل مؤسسات التعليم العالي خاصة الحكومية منها. ذلك الطاقم الذي مازال لم يري الا الشر في الثورة والتغيير الذي حدث في السودان ورمي بالكيزان وامالهم في استعمار السودان واستغلال شعبه الي مزابل التاريخ والذي قاده الشباب والطلاب وكانوا وقوده.
الوزيرة مازالت تقبل وتصدق جامعات جديدة بلا تأهيل وتضيق القبول في الجامعات الحكومية المركزية والاقليمية وتوسع من نسبة القبول الخاصة مقابل العملة الصعبة. ومازالت لا تتدخل في أمور الجامعات الخاصة بالرقابة وتتركها تسرح وتمرح وتتفرعن كيفما تشاء بلا لوائح فعالة وتمارس البلطجة علي الطلاب كأنها جامعات تتبع لدولة غير دولة السودان ووزارة غير وزارة التعليم العالي. يحدث ذلك ليس عجزاً من الوزيرة وانما هي تعمل وفق مخطط محكم يدار بشكل مركزي من كيزان خارج المشهد وينفذه الذين كانوا ومازالوا علي القيادة ويتحكمون في التعليم العالي ويوجهونه لصالح استثمارات الكيزان الكبيرة والمستمرة وبشكل أكثر جشع واستغلال لهذا الموقع الخطير والمتحكم في مصير ابناءنا… التعليم العالي يحتاج مؤتمر قومي عاجل تطرح فيه مسالة الجامعات العامة والخاصة والمناهج وامكانات الجامعات ويدرس توسيع فرص القبول.
لا يمكن لكلية مثل كلية الطب بجامعة الخرطوم مثلا ان تظل تقبل ٢٥٠ طالب منذ ١٩٧٠م، عندما كان تعداد شعب السودان في مساحته الحالية بحدود العشرة مليون والمدارس الثانوية لا يتعدي عددها الثلاثين، وتظل هذه الكلية تقبل ذات العدد الي يومنا هذا، والمدارس الثانوية تجاوز عددها الالاف، والسكان تجاوز عددهم الاربعين مليون..
كل الجامعات الخاصة تقبل كلياتها أكثر من مائتين وبعضها ربما ثلاثمائة او اربعمائة ..!!! وجامعة الخرطوم التي بلغ عمرها المائة عام مازالت تقبل كلياتها فقط مائتين وخمسين طالب ومثلها جامعات الجزيرة والنيلين والازهري والاسلامية. هذه جريمة وليس قصورا في الوعي باهمية الأمر..
واضح أن هناك عقلية خربة تتحكم في المستقبل، ليس مستقبل التعليم فقط وانما في مستقبل كل الشعب السوداني، وتقيد موارد السودان البشرية والطبيعية، وتعطل استغلال الطاقات السودانية الكبيرة علي الوجه الأكمل، وتحطم بذلك مسيرة السودان وتقيدها من الإنطلاق والتقدم والتطور، وتنشر الإحباط وسط الجماهير وخاصة الاجيال الجديدة.
هناك حاجة ملحة لقيام مؤتمر عاجل للتعليم العالي بروح ثورة ديسمبر، يحطم كل التابلوهات القديمة والمفاهيم الخربة ويتجاوز كل العقول المتحجرة والضمائر الرخيصة التي مازالت ترعي القطاع الخاص بالتعليم العالي وتوظف كل شيئ فيه لصالح فئة قليلة من الكيزان وامثالهم من اصحاب المال الجشعين الذين لا تهمهم الا مصالحهم الخاصة ولن يساهموا في دعم المستقبل الا تحت ارادة من الدولة تلزمهم وفق قانون يراعي مصالح الوطن العليا في ظل قصور امكانات الدولة والحاجة الملحة للمواطن في تعليم ابنائه..
لابد من ثورة تفتح الفرص أمام أبناء السودان لبنطلقوا، وأمام هذه الطاقات المهولة لتتفجر، وامام هذه الموارد البشرية النوعية ممثلة في الطلاب الاذكياء النوابغ ليتأهلوا حتي يكونوا قادرين علي قيادة هذا الوطن ويقيلوا عثراته المزمنة والمتطاولة والمتوارثة. وأول خطوات الحل تبدأ بامتلاك الإرادة الثورية لتصحيح مسار التعليم العالي.
التعليم العالي والبحث العلمي يحتاج قيادة للتعليم والابحاث منفتحة علي كل العالم ومدركة لحاجات الوطن والناس، يحتاج قيادة مبدعة وخلاقة وليس ادارة جامدة ومنغلقة.
ولو كنت موقع رئيس الوزراء لاعلنت إقالة الوزيرة إنتصار صغيرون وطاقمها فوراً ولعينت مجلساً من خبراء يكون نصفه من شباب الثورة من خريجي الجامعات، ولجعلت وزارة التعليم العالي تحت إشرافي ومتابعتي المباشرة. ولاعلنت بقرار مباشر وفوري مضاعفة اعداد القبول ببعض الجامعات وخاصة الحكومية القديمة منها لهذا العام وحددت القبول الخاص بها بنسبة لا تتجاوز الخمس في المائة.
اما الجامعات الخاصة فانها تحتاج حسم وتقييد ومراقبة لصيقة لتقويم أدائها وتوجيه نسبة من مواردها لصالح التعليم وتأهيل لمؤسسات التعليم في الوطن.
موضوع التعليم العام والعالي في السودان يتطلب موقف وطني عام في هيئة ثورة جديدة علي شاكلة ثورة ديسمبر المجيدة، تحدث نقلات للعقول والرؤي والمفاهيم المعلبة في رؤوس البعض قبل البناء الأخرس والمفاهيم الجامدة في هذه المؤسسات التعليمية.

التعليقات