نواصل استعراض وتلخيص لقاءاتنا مع المجموعات المكونة لمجتمعات ولاية البحر الأحمر إبان زيارتنا للولاية خلال يناير/كانون الثاني الماضي، وخاصة اللقاءات مع القيادات الأهلية ممثلة في نظارات وعمد ومشايخ القبائل، لما لهذه القيادات من دور فاعل في الحراك السياسي والاجتماعي في المنطقة.
ومن ملخص لقاءاتنا التي استعرضناها في مقالاتنا السابقة، والتي شملت اللقاءات مع البشاريين والعبادة والأمرأر وقيادة نادي البجا والهدندوة، لاحظنا وجود قاسم مشترك تم التعبير عنه، بهذا الشكل أو ذاك، في كل هذه اللقاءات، ويتعلق بشعور هذه المجموعات، وقناعتها التامة، ببلوغ أزمة التهميش وانعدام التنمية في ولاية البحر الأحمر درجتها القصوى إبان حكم الانقاذ، بل وصل الأمر حد إتهام الانقاذ بالسعي لإبادة البجا، أعراقا وثقافة، كما جاء في حديث من التقيناهم في قيادة منظمة شهداء مجزرة 29 يناير 2005 ببورتسودان. ويتعلق القاسم المشترك أيضا بوعي ذات المجموعات بضرورة إعادة هيكلة الدولة السودانية وفق أسس جديدة متوافق عليها، تراعي التعدد والتنوع الإثني والثقافي في البلاد، وضرورة تقنين هذه المراعاة في الدستور والقوانين والسياسات والممارسات الحاكمة. ومواصلة لتلخيص هذه اللقاءات، نستعرض اليوم ملخصا للقائنا بعمد ومشايخ قبائل البني عامر والحباب في ولاية البحر الأحمر.
تستوطن قبائل البني عامر في ولايات شرق السودان الثلاث، وخاصة على المناطق الحدودية مع إريتريا في ولايتي البحر الأحمر وكسلا. وهذه المناطق يجري في معظمها وادي نهر بركة، وهي تتمدد داخل العمق الإريتري، وتتواجد كذلك في بعض مناطق السودان الاخرى. وتمثل قبائل البني عامر قوة اقتصادية كبيرة في الزراعة والثروة الحيوانية إضافة للتجارة الحدودية وتجارة الجملة. أما الحباب، فهي إحدى القبائل البجاوية التي تنتشر على امتداد سواحل البحر الأحمر في مساحات شاسعة من الأراضي الممتدة ما بين سواكن ومصوع. وتقول الدراسات إن الحباب كيان تشكل عبر توحد عدد كبير من القبائل، من خلال التصاهر والعيش المشترك فيما بينها، بيدأنهذا الكيان، والذي ظل يتمتع بالنفوذ والسطوة لمدة طويلة، قد تعرض لكثير من التغيرات والتطورات الهامة خلال الستين عاما الماضية.
النقطة الأولى التي شدد عليها عمد ومشايخ البني عامر والحباب في اللقاء،أنقبائلهم تجنح إلى السلم الاجتماعي، وليس لديهم أي حساسيات تجاه مكونات الشرق الأخرى. صحيحأنلديهم امتدادات في إريتريا والبلدان المجاورة، لكن هذا ليس مدعاة إلى النظر إليهم وكأنهم غرباء وغير سودانيين، بينما هم مكون أساسي وأصيل ضمن مكونات البجا. أما محاولات وصمهم بالانتماء إلى اتجاه سياسي بعينه فهذه مجرد ترهات، ومحاولات لقمعهم سياسيا.

أكد لقاء عمد ومشايخ قبائل البني عامر والحباب، أن نزاعات وحروب شرق السودان مفروضة من المركز بسبب سياسات التجاهل والتمييز في التعامل، لذلك الحل الرئيسي في المركز وليس محليا

ويؤكدونأنخلافاتهم الأخيرة مع النوبة هي فتنة سياسية، فهم ليس لديهم أي نزاع مع النوبة أو غيرهم حول أراضي أو مرعى أو ثروات. ويجزمون بأن هذه الخلافات أقحمتها عليهم تدخلات الساسة محاباة لهذه الإدارة الأهلية أو تلك خدمة للمصالح السياسية والحزبية الضيقة، بعيدا عن الهم الوطني العام، ودون مراعاة لما يمكنأنتسببه هذه الخلافات من تمزق في النسيج الاجتماعي. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلىأننظام الانقاذ أصدر قانون الإدارة الأهلية 1995، مركزا فيه على الإدارة الأهلية، حيث منحها سلطات إدارية وقضائية، حسب درجة ولاء القبيلة للنظام، وفق فلسفة وسياسة التمكين، حتى تجد الانقاذ الدعم الكامل والسند من قبل الإدارات الأهلية لتطبيق شعاراتها ومرتكزاتها، مقحما بذلك سياسة الموالاة والمحاباة وسط الإدارة الأهلية، ممهدا التربة والمناخ للنزاعات القبلية، ومحدثا شروخا غائرة في بنية التعايش السلمي والسلم المجتمعي التي ميزت مجتمعات السودان المختلفة.
ومن زاوية أخرى، أكد لقاء عمد ومشايخ قبائل البني عامر والحباب،أننزاعات وحروب شرق السودان مفروضة من المركز بسبب سياسات التجاهل والتمييز في التعامل، لذلك الحل الرئيسي في المركز وليس محليا. وتحدث بعضهم بمرارة عن غياب العدالة، وأن الدولة لا تبذل جهدا في القبض على مثيري الفتن، بل توفر لهم الحماية، مما جعلهم يشككون في حياد وقومية الأجهزة النظامية. وأن هذا الوضع إذا إستمر فإن وحدة البلاد ستكون في خطر. ومن الممارسات الخطيرة التي تثير حفيظتهم، عمليات الإقصاء في التوظيف، وكشوفات توزيع الأراضي في منطقتهم والتي لا تتم بمعرفتهم، وإحساسهم المتجذر بأنهم غير مرغوب فيهم من قبل الدولة، ومن قبل بعض القيادات السياسية. وفي ختام حديثهم، تقدم عمد ومشايخ البني عامر والحباب بعدد من المقترحات التي يرونها ستساهم في تهيئة مناخ ملائم للتعايش السلمي بين مكونات الإقليم. ومن هذه المقترحات:
1 ـ التعامل الجاد من قبل السلطات في التحقيق حول النزاعات الأخيرة وتقديم الجناة إلى العدالة. 2 ـ ضرورةأنتتفهم الدولة والقوى السياسيةأنللبني عامر والحباب وسائر مكونات شرق السودان مظلمة من جراء التهميش السياسي والتنموي، وأن قضيتهم أشبه بقضايا دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق. 3 ـ أنتنبذ الدولة سياسات الإقصاء والتمييز في التعيينات للمؤسسات الحكومية، وخاصة في القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى. 4 ـ حتى لا تنحاز القوى النظامية، إبان النزاعات القبلية، للمكون الذي ينتمي إليه أفرادها، يجبأنتكون القوى النظامية تابعة للمركز وليس قيادة الولاية، كما يجبأنيكون أفراد هذه القوى من غير مكونات الولاية. 5 ـ ضرورة التشاور معهم في أي اختيارات أو ترشيحات تتم من أفراد القبيلة. فهم مثلا لم يرشحوا والي كسلا الذي فجر ترشيحه نزاعا داميا، بل اختاره المركز بدون علمهم أو مشاورتهم. 6 ـ يدعون القوى السياسية والقوى المدنية إلى زيارة مناطقهم والإنخراط معهم في أنشطة تفاعلية، حتما ستساعد في رفع درجات الوعي وسط أفراد القبيلة، وتسريع الإنتقال إلى رحاب العلاقات المدنية الحديثة. وفي هذا الصدد، فإنهم يوجهون صوت لتحالف قوى الحرية والتغيير الذي أهمل تماما التعامل معهم.

التعليقات