قابلت هيومن رايتس ووتش تسعة شهود عبر الهاتف، بينهم صحفيون ونشطاء، شاركوا في الاحتفالات وشهدوا رد الجيش القاسي.

في 10 مايو/أيار، أصدرت القوات المسلحة السودانية بيانا قالت فيه إنها ستُغلق جميع الطرق الرئيسية المؤدية إلى مقرها يوم الإفطار. بين الساعة 4 مساء و5 مساء في 11 مايو/أيار، تجمّع المتظاهرون خارج مقر القوات المسلحة السودانية وسط الخرطوم، لا سيما على طول شارع النيل وبالقرب من حرم جامعة الخرطوم. قال أحد المتظاهرين إنه ومع تزايد الحشد، قرروا التقدم للأمام واختراق صفوف الجنود والحواجز الإسمنتية التي أقامها الجيش للوصول إلى الموقع المخطط للإفطار.

قال المتظاهر: “وضع الجيش حواجز إسمنتية، ونشر عددا من الجنود بينهم عناصر من الشرطة العسكرية، وعربتان مصفحتان. بعد التدافع بين المتظاهرين والجنود، ابتعد الجنود وتركوا المتظاهرين يقيمون إفطارهم”.

بعد حفل الإفطار، الذي أقيم بالقرب من مركز تدريب مهني شهير في شارع النيل، صعد متحدثون من مجموعات احتجاجية مختلفة إلى منصة المركز. قال عدة أشخاص إن عدد الجنود بدأ بالازدياد، مشكلين “أطواقا” حول الحشد، مما أعاق مغادرتهم فيما بعد. رأى شهود عيان بعض الجنود يتمركزون في نفق يمر بالقرب من المنصة وفوق النفق على خط السكك الحديدية التي تمر فوقه، مما لم يترك سوى مخرجا ضيقا من مركز التدريب المهني إلى شارع النيل.

قال والد أحد المتظاهرين الذين قُتلوا في 2019: “كنت أرى من حيث كنت أقف بالقرب من المنصة الرئيسية جنود القوات المسلحة السودانية يتحركون ويشكلون ما يشبه الصندوق. رأيت جنودا من الجيش يتحركون لتقسيم الحشد إلى قسمين”.

قال صحفي إنه عندما كان آخر شخص يتحدث، بدأ الجنود بالاقتراب من الحشد، وكادوا يطوقونهم: “رأيت جنودا يدفعون المتظاهرين بعيدا عن منطقة النفق باتجاه المنصة. كما تمركز الجنود، والعديد منهم مسلحون، على جسر السكة الحديدية فوق النفق”.

قال ثلاثة شهود إنهم رأوا ضباطا رفيعي المستوى في الجيش بمن فيهم عمداء وعقداء، عرفوهم من خلال شاراتهم، إلى جانب الجنود الذين انتشروا في جميع أنحاء المنطقة.

حوالي الساعة 8 مساء، طلب المتحدث الأخير من الحضور فض التجمع. جعل العدد الكبير من الجنود، بما في ذلك الشرطة العسكرية، خروج المتظاهرين من المخرج الوحيد الذي تركه الجنود صعبا. قال أحد منظمي الحدث إنه اقترب مع آخرين من مجموعة من الجنود وطلبوا منهم توفير مساحة ليغادر الناس. أجاب جندي: “يمكنهم [المتظاهرون] السير ’فوق‘ بعضهم البعض. نحن لا نهتم. نريدكم فقط أن ترحلوا من هنا”.

بدأ الجنود، دون أي استفزاز ودون سابق إنذار، بضرب المتظاهرين. قال أحد الشهود إنه رأى الجنود ينتشرون على طول المخرج باتجاه شارع النيل، يطاردون المتظاهرين، ورأى بعض الجنود يضربون المتظاهرين بأعقاب البنادق. قال: “كان الجنود عدوانيين جدا – كانوا يضربون الجميع دون سبب. لم يكن هناك أي استفزاز على الإطلاق. رأيت بعض المتظاهرات يُضرَبن من قبل الجنود ويَقعن على الأرض”.

قال شاهد آخر كان في شارع النيل: “رأيت رجلا يضربه ثلاثة جنود. كان ملقى على الأرض وينزف من رأسه لكن الجنود استمروا بضربه بالعصي وأعقاب البنادق ولكمه وركله”.

قال الشهود إنهم سمعوا بعد ذلك طلقات نارية. قال خمسة شهود إنهم سمعوها في البداية قادمة من اتجاه سكة الحديد ورأوا جنودا هناك يوجهون بنادقهم مباشرة نحو المتظاهرين الذين حاولوا الفرار. قال أحد المتظاهرين: “جريت باتجاه شارع النيل. هناك رأيت جنودا يأتون من اتجاهات مختلفة. رأيت جنديا يحمل بندقية كلاشينكوف [بندقية هجومية] ويطلق النار عشوائيا. كان يوجه البندقية مباشرة نحو الناس – لا في الهواء. كان يطلق النار وكأنه لا يهتم من يصيب”.

بدأ بعض المتظاهرين برشق الجنود بالحجارة.

قال تلميذ (24 عاما) كان من بين مجموعة تصرخ على الجنود في شارع النيل بالقرب من حرم جامعة الخرطوم: “كان هناك نحو ثلاثة جنود يرتدون الزي العسكري وشخص بثياب مدنية. كانوا يطلقون النار في الهواء، وأحيانا على الأرض، ورأينا شرارة الطلقات النارية على الأسفلت، وظلوا يطلقون النار. كان أحد الجنود في ذلك الوقت راكعا، موجها بندقيته نحونا عندما ضغط على الزناد. فجأة شعرت أن أحدا بالقرب مني يسقط. نظرت إلى الخلف فوجدت مُدّثر على الأرض ينزف من صدره. حملته أنا وآخرون على الفور. كان قد مات عندما وصلنا إليه، لكننا وضعناه على دراجة نارية وأخذناه إلى المستشفى”.

تُظهر السجلات الرسمية أن فض الجيش العنيف للمتظاهرين أدى إلى مقتل شابين، هما عثمان أحمد بدر الدين ومدّثر مختار الشفيع. قال تاج السر الحبر، النائب العام السوداني الذي استقال لاحقا، إن تقرير الطب الشرعي وجد أن الاثنين أصيبا بالرصاص: “في حالة عثمان، ترتب على الطلق الناري تهتك الرئة والقلب … وأصيب من الخلف … وبالنسبة لمدّثر، الطلق الناري أصاب الكبد والقلب”. قال إن هذا قد يشير إلى أن إطلاق النار كان “بقصد”.

في بيان صدر في 11 مايو/أيار، قالت “لجنة أطباء السودان المركزية”، إحدى الجمعيات المهنية المتعددة المرتبطة بحركة الاحتجاج، إن 15 شخصا أصيبوا بأعيرة نارية وأصيب آخرون بالضرب بالهراوات والعصي.

وصف الدكتور عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء السوداني، الأحداث بأنها “جريمة … ضد المتظاهرين السلميين”. في 12 مايو/أيار،أعلن أنه سيتم اتخاذ خطوات لتسريع جهود المساءلة، بما في ذلك من خلال تحديد موعد نهائي لإنهاء التحقيق في أحداث 3 يونيو/حزيران 2019. أصدرت القوات المسلحة بيانا قالت فيه إن الأحداث “مؤسفة” ووعدت بالتحقيق.

في 15 مايو/أيار، قال النائب العام لوسائل الإعلام إنه تلقى تقرير تحقيق الجيش، وأن الجيش سلّم للمحاكمة سبعة مشتبه بهم كانوا رهن الاحتجاز العسكري مع 92 جنديا آخر “يشتبه بتورطهم في الهجوم”. قال النائب العام إن السبعة متهمون بالقتل وجرائم ضد الإنسانية.

قالت هيومن رايتس ووتش إن على سلطات النيابة العام عدم الاكتفاء بنتائج تحقيق الجيش نفسه، ويتعيّن عليها أن تضمن محاسبة جميع المسؤولين عن الانتهاكات، بمن فيهم المسؤولون بسبب التسلسل النيروبي: هيومن رايتس ووتش
قالت “هيومن رايتس ووتش ” اليوم إن القوات المسلحة السودانية استخدمت القوة المفرطة والقاتلة ضد المتظاهرين السلميين المتجمعين في الخرطوم في 11 مايو/أيار 2021 لإحياء ذكرى ضحايا حملة القمع القاتلة لعام 2019. قالت وزارة الصحة السودانية إن شخصَيْن قتلا وأصيب 37.

قمع السودان للاحتجاجات السلمية يُبيّن ضرورة أن يتأكد شركائه الدوليين من مدى التزام السلطات بإصلاح قوات الأمن وضمان تحقيق عدالة حقيقية.

قالت ليتيسيا بدر، مديرة قسم القرن الأفريقي في هيومن رايتس ووتش: “صدّ الجيش السوداني، وفتح النار، وضرب الأشخاص الذين يحيون ذكرى الأرواح التي فقدوها أثناء نضالهم من أجل العدالة. مرة أخرى في السودان الجديد، تلجأ قوات الأمن إلى الأساليب القديمة المسيئة”.

في 11 مايو/أيار، قامت جمعية لعائلات المتظاهرين الذين قُتلوا خلال ثورة 2018-2019، التي أنهت حكم عمر البشير الذي دام 30 عاما، ومجموعات أخرى، بتنظيم إفطار. جاء ذلك لإحياء الذكرى الثانية لحملة الحكومة القمعية للمتظاهرين في 3 يونيو/حزيران 2019، والأيام التالية التي قتلت خلالها قوات الأمن 120 شخصا على الأقل وجرحت المئات في أنحاء الخرطوم. بدأت الحكومة الانتقالية تحقيقا في تلك الأحداث في سبتمبر/أيلول 2019، لكن أسَر الضحايا وجماعات الاحتجاج الأخرى تقول إن التحقيق كان بطيئا وتشكك في استقلاليته.

التعليقات