اطلعت في الوسائط الالكترونية على رسالة كثيفة الانتشار تحمل تصريحاً مفبركاً يضم اسمي ضمن آخرين ممن أفنوا أعمارهم في مقاومة الاستبداد يتهمهم بالتوقيع على وثيقة موافقة بفض الاعتصام … استسخفت الرسالة باديء ذي بدء ورأيت أنها لا تستحق الرد من شدة مفارقتها للوقائع والحقائق والمنطق، ولكن راعني بصدق كثافة انتشارها، مما يبين بوضوح ضخامة الآلة التي تستخدم سلاح الأكاذيب والاشاعات في تخريب البيئة السياسية في البلاد. ليس هذا فحسب بل لاحظت بوضوح انتشاراً كثيفاً لشائعات عديدة متعلقة بشخصي، تنشط في بثها مواقع مشبوهة وتحمل قصصاً مختلقة بالكامل، وإن كان من شيء محزن في الأمر فهو استخدام بعض من هم خارج قوى الثورة المضادة لهذه الأكاذيب انتصاراً منهم لمواقف سياسية ما، وسعياً لتصفية حسابات، وددت لو أنهم اختاروا لها سلاح مواجهة الفكر بالفكر والرأي بالرأي، فهذا هو ما ينفع البلاد وأهلها.
في هذا التوقيت المهم من مسار المرحلة الانتقالية، تنشط قوى عديدة لتمهيد الطريق لاجهاضها والانقلاب عليها، أخطرها قوى تنتمي للثورة المضادة تسعى لعودة النظام البائد في أثواب جديدة، هذه القوى تظن أن سيول الإشاعات والاكاذيب التي تطلقها هذه كفيلة بتخويفنا من المضي في طريق اكمال مهام ثورة ديسمبر حتى اخرها .. واجهنا النظام البائد في ميادين المقاومة السلمية .. واجهناه في التظاهرات والمواكب والوقفات والمخاطبات والاعتصامات والعصيان وفي داخل سجونه وزنازينه ولم نتراجع شبراً عن السير في طريق التغيير الشامل الكامل هذا ولن نتراجع ما دام في قلبنا نبض يخفق .. سنستمر في هذا الطريق، من أي موقع نكون فيه .. اعضاء في حزب او حلف سياسي … مقاومين في حركات مقاومة .. اعضاء في هيئات حكومية او خارجها … هذا طريق نهايته واحدة هي الحياة الكريمة لشعبنا كاملة غير منقوصة ووحدة هذه البلاد وأمنها وتمتع ابناءها وبناتها بالحرية والسلام والعدالة.
أخطر ما في مخططات النظام البائد هي استخدام سلاح زرع الشقاق في أوساط مكونات البلاد، يزرعون الخلافات الآن في أوساط القوى السياسية والحركة الجماهيرية ويسهمون في ضرب مكوناتها بعضها ببعض واضعاف الثقة بينها … يستخدمون ذات السلاح داخل المؤسسة العسكرية بغية تقسيمها وتأليب مكوناتها داخلياً وتوسيع الشقة بينها وبقية مكونات الشعب. مواجهة هذا المخطط لا تتم الا بنقاش واسع وشفاف بين مختلف قوى الثورة يراجع المسيرة بعمق، يؤكد على وحدة اهدافها والطريق لتحقيقها، يتفهم تعقيد هذا الانتقال وفرادته، يواجه هذا التعقيد بتركيز عال ورؤية عميقة تنفذ لجوهر القضايا ولا تقف على سطحها.
منذ ما يزيد بقليل عن العام والنصف خطت الحركة الجماهيرية خطوة مهمة في مسار تحقيق غايات ثورة ديسمبر المجيدة بتكوين حكومة مدنية برئاسة رئيس الوزراء د. عبدالله حمدوك وضعت على عاتقها مهام كبيرة فصلتها الوثيقة الدستورية .. تحقق بعض هذه المهام في استرداد الحرية وتوسيع ابوابها .. في توقيع سلام جوبا والتقدم في اكمال الخطوة الثانية للسلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال قيادة الحلو … في فك العزلة الدولية عن البلاد وعودتها عزيزة يحتفى بها في العالم والتقدم في سداد ديونها ودخولها في شراكات انتاجية تصحح وضع اقتصادها الموروث من النظام السابق، ومع ذلك تواجه المرحلة الانتقالية قضايا وتحديات ضخمة تتمثل في الاقتصاد والعدالة واصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية. هذه القضايا لا زالت تحتاج لمزيد من الجهد للتقدم فيها بصورة مرضية تناسب عظمة ثورة ديسمبر المجيدة، ولكن التقدم فيها لن يتم بتفتيت قوى الثورة وتشكيك بعضها في بعض واخراج الخناجر لتغرس في ظهور وصدور من يقاتلون للانتصار في جبهتها … تحقيق هذه الغايات يتم بتوحيد صف قوى الثورة العريضة التي انجزت مهمة اسقاط النظام بوحدتها .. يتم بالقراءة المتبصرة في مسببات القصور ووضع معالجات حقيقية تخاطب الأزمة ولا تهرب منها للأمام .. يتم بادراك أن هذا الانتقال لا يماثل في تعقيده أي انتقال سابق، وأن انجاز مهامه يسير في طريق وعر ستواجهنا فيه صعاب ومعارك يومية يستوجب أن نثبت في مواجهتها، ولا نفقد ايماننا بقدرتنا موحدين على تجاوزها. هزمنا البشير وجماعته حينما نبذنا ما يفرقنا وتواثقنا على ما يوحدنا .. فعلنا ذلك بشعار عبقري رفعه تجمع المهنيين “نبقى حزمة كفانا المهازل” ، الان وغداً سيظل سلاحنا الأمضى للنصر هو توسيع قاعدة الانتقال وتوحيدها وتنظيمها وعدم تنازلها عن غاياتها الأساسية مع الادراك العميق لطبيعة الطريق المركبة.
التعليقات