المصدر :واشنطن بوست

 أشارت صحيفة “واشنطن بوست” إلى قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد التي أعفى فيها رئيس الوزراء هشام المشيشي وجمّد عمل البرلمان ونزع الحصانة عن أعضائه إلى أنها أكبر أزمة تواجه تونس منذ عام 2013، حيث واجهت الديمقراطية التونسية الناشئة خطر الانهيار. وقالت إنها آخر فصل من فصول الربيع العربي في هذا البلد.

وأشارت الصحيفة في تقرير أعدته كلير باركر، إلى أن قرار سعيد تجميد البرلمان لمدة شهر، يعني امتحانا للديمقراطية الشابة في تونس وتصعيدا للعملية السياسية التي تغلي منذ وقت. ووصف المعارضة حركة.

وقال سعيد إنه عزل المشيشي، وإنه سيقوم مع رئيس الوزراء الجديد الذي سيعيّنه في الأيام المقبلة بالاستناد على القرارت التنفيذية. وبحسب الدستور التونسي، فالقرارات هذه يتشارك فيها الرئيس والبرلمان ورئيس الوزراء. وقال إنه اتخذ القرارات حتى عودة السلام إلى تونس وننقذ الدولة.

واتخذ سعيد قراراته في يوم الجمهورية، وهو يوم يحتفل به الناس بالاحتجاج في كل أنحاء البلد. وجرى هذا العام وسط انهيار للاقتصاد وانتشار واسع لفيروس كورونا وغضب واسع ضد الحكومة. ونظّم آلاف من التونسيين احتجاجات يوم الأحد، مطالبين بحل البرلمان،وهو الشعار الذي تردد في تظاهرات الشوارع خلال الأيام الأخيرة، وعكس عدم الرضى في الدولة العربية الوحيدة التي نجت من ويلات الربيع العربي.

وجرت مواجهات بين المحتجين والشرطة في عدة نقاط، وأطلقت الشرطة في العاصمة تونس الغاز المسيل للدموع واعتقلت عددا من المتظاهرين. وانتشرت فيديوهات على منصات التواصل الاجتماعي تظهر عمليات تخريب واعتداءات على مقرات حركة النهضة، الحزب الإسلامي المعتدل، واللاعب الأهم في السياسة التونسية منذ الثورة عام 2011. وحصلت النهضة على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان، ولكنها غير محبوبة وسط قطاعات معينة من السكان.

وتحدى التونسيون قيود حظر التجول بسبب فيروس كورونا، وهللوا وزغردوا وأشعلوا الأضواء في شوارع المدن بعد قرارات سعيد. وأظهرت صور على منصات التواصل، دبابات تابعة للجيش في مفاصل العاصمة وسط ترحيب الحشود بها. وخرج سعيد من سيارته ملوحا للمحتجين في شارع الحبيب بورقيبة. وكان يرتدي القناع ومحاطا بحرسه ومشى وسط الشارع المكتظ الذي كان مركز ثورة عام 2011.

وبرر سعيد قراراته بأنها دستورية، حيث يمنحه الدستور سلطة واسعة في الظروف غير الاستثنائية. وقال إنه لم يعلق الدستور، وأن ما قام به هي إجراءات مؤقتة. وحذّر أي شخص يلجأ للسلاح ومن يطلق أي رصاصة فسيرد الجيش عليه. ووصف المعارضون عزل الحكومة وتجميد البرلمان بأنها انقلاب.

وفي مقطع فيديو على صفحته في فيسبوك، اتهم رئيس البرلمان وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي ، سعيد بتنظيم “محاولة انقلابية”. ودعا شباب الثورة والمجتمع المدني والسياسي والجيش والشرطة وغيرهم إلى عدم المشاركة في مصادرة إنجازات تونس. ووصف الغنوشي في بيان لصحيفة “واشنطن بوست” أن البرلمان “لا يمكن تجميده” ويظل عاملا.

ووصف في البيان إعلانات الرئيس بأنها “لاغية” وغير دستورية. وقال: “نعتبر المجلس في جلسة دائمة والحكومة قائمة وكل مؤسساتنا الدستورية ولن تتأثر بهذه الإجراءات غير الدستورية”. و”ندعو الرئيس سعيد التوقف عن محاولة الإنقلاب هذه ونطلب من أصدقائنا في الداخل والخارج لمقاومة قوى الديكتاتورية والطغيان”.

وزرع هو وقادة الحزب والأحزاب الأخرى أنفسهم أمام بوابة البرلمان المغلقة صباح الإثنين، حيث منعتهم قوات الأمن من الدخول إلى البناية. ولا يعرف ماذا سيحدث بعد ذلك، فالخلافات الدستورية عادة ما تحل أمام المحكمة الدستورية، لكن الخلاف السياسي منع إنشاءها بعد 7 أعوام من المصادقة على الدستور.

وقال شران غريوال، من كلية ويليام وماري الذي يركّز في أبحاثه على عمليات الدمقرطة والدين والعلاقات المدنية- العسكرية في العالم العربي، إن التطورات “قد تكون أخطر أزمة منذ احتجاجات صيف 2013 التي كادت تودي بالديمقراطية التونسية”. وقال غريوال إن الدستور واضح وهو استمرار البرلمان في عقد جلساته. وتوقع محاولة النهضة عقد جلسة للبرلمان من أجل امتحان ولاء قوات الأمن في البلاد. كما أن موقف اتحاد الشغل الذي ساهم بالتوصل إلى تسوية حل أكبر أزمة سياسية سيكون مهما حول كيفية تكشف الأحداث.

وتأتي الأحداث بعد أشهر من الخلافات بين سعيد والمشيشي، الذي اختاره سعيد في الصيف الماضي لكن العلاقات توترت بينهما، والتحالف البرلمان الذي تقوده النهضة ويدعم المشيشي. ورفض سعيد منذ الشتاء المصادقة على 11 وزيرا، واتهمه الغنوشي وغيره بتجاوز صلاحياته الدستورية، كما وأطلق سعيد عددا من التصريحات في الأشهر الماضية بهدف تقوية منصب الرئيس، مما أثار قلق عدد من السياسيين والمراقبين.

ودعا الرئيس الجيش في الشهر الماضي للإشراف على الحملة الوطنية لمواجهة فيروس كورونا. فقد زاد عدد الإصابات والوفيات من غضب الناس على الحكومة. وتبدو المشاعر الوطنية داعمة لموقف الرئيس الذي ظل موقفه قويا في استطلاعات الرأي. وقال غريوال إن سعيد لا يزال شخصية شعبية في تونس وسط قاعدته وأبعد منها، وقد تجد تحركاته جاذبية بين التونسيين الذين يمقتون النهضة والأحزاب السياسية، والداعين لرئيس قوي.

التعليقات