والدعوية : جهل بمعانى الإنتماء

بعيدا عن التحليلات السياسية التقليدي منها وغير التقليدي فإن المتتبع لكثير من التنظيمات الإسلامية ولا سيما التنظيمات الحركية السياسية بداية بباكستان
أو حديثا فى مصر
و تونس- حزب النهضة- واخيرا حزب العدالة والتنمية المغربى الذى كان دافعا قويا لكتابة هذا المقال ولا سيما بعد تراجعه الملحوظ مؤخرا وفى آخر انتخابات برلمانية رجوعا إلى الخلف ليحتل موقعا متأخرا هو الثامن بعد أن كان فى مقدمة الاحزاب المغربية حاصدا لأغلب الدوائر الانتخابية فى الانتخابات السابقة مما أهله لأن يصل إلى رئاسة وزراء الحكومة فى شراكة مع ملك المغرب فى حكم البلاد وهذا التراجع الذى يعد إنتكاسة كارثية سنحاول تناول بعض من أسبابه فى ثنايا حديثنا عن هذا الأمر الذى عنونا له بالعنوان : ( التظيمات الإسلامية السياسية : ضعف أمام السلطة والمال ، والدعوية : جهل بمعانى ومقصود الانتماء )

يلاحظ أن هذه التنظيمات المختلفة سياسية كانت أو دعوية تتفاوت فى معاناتها من بعض علل وأمراض كانت سببا رئيسا فى ما نحن فيه من حال مزرى رغما عن ما نشاهد من كثرة لهذه التنظيمات وأصوات لها عالية للغاية دون تحقيق ما هدفت اليه تلك التنظيمات الدعوى منها والسياسى بإستثناء هدف واحد وهو ربما إقامة الحجة لله من ضمن أهداف كثيرة أخرى اخفقت تلك التنظيمات فى تحقيقها ولاسباب عديدة تعود لخلل عظيم فى ما يعرف بالهدف الأسمى الذى بعث رسولنا الكريم لتحقيقه فى نفسه وفى الغير ممن كانوا يتبعونه ألا وهو هدف ( تزكية النفس ) والذى نلاحظ وجوده فى القرآن عند قوله تعالى : ( هو الذى بعث فى الاميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين )

وكذا جماعات الاخوان المسلمين والجماعات السنية المختلفة مثل جماعة أنصار السنة وجماعة أهل الحديث و الجماعة السلفية وجماعة التبليغ والدعوة التى شملها عنوان مقالنا بقولنا : ( والدعوية : جهل بمعانى ومقصود الانتماء)

وقد تأكدت أهمية هذا الهدف بذكره فى غير ما آية ففى سورة الشمس على سبيل المثال حيث
اقسم الله أحد عشر قسما ليقرر بعدها بقوله : ( قد افلح من زكاها ، وقد خاب من دساها ) وكذلك قوله تعالى فى موضع آخر من القرآن : ( قد افلح من تزكى )

نسوق ذلك لبيان أن العمل الدعوى يحتاج من قبل ولوجنا فيه الى الاستعداد له بتزكية تلك النفوس حتى تقوى على كل ما تأمر به نفوسنا الأمارة بالسوء ومن أعظم ذلك السوء أن تكون الدنيا أكبر همنا

وحقيقة تلك النفوس اذا لم تزكو بهذا الدين فهى غالبا ما تضعف ولا تستطيع الصمود أمام المال
أو السلطة والكرسى فكم ممن ظن الناس فيه خيرا ووثقوا فيه وهو على سبيل المثال إمام لمسجد على المنبر أو محاضر مفوه لسن للغاية تستمع اليه الناس وكأنما على رؤوسها الطير سقط سقوطا مدويا وتبخر كل ما عنده وعرف به على كرسى الوزارة أو باستغلاله لتدينه التسهيل لنفسه كثير من التسهيلات بسمعته الدينية تلك ليتحول من شخص فقير أو متوسط الحال إلى ثرى ثراء فاحشا يتقلب فى تلك الدعة من المال وكأنه مراهنا بأن لابد من الوصول الى درجة أن يفتح باب مسكنة الضخم ذاك بالريموت كنترول من داخل سيارته الفارهة ثم تجده هو وزملاؤه الآخرون الذين عرفوا بالعمل الدعوى المميز قد تركوا كل ذلك وتفرغوا للتنافس فيما بينهم كرجال أعمال وليس دعاة كما كانوا من قبل مع الحرص على الاحتفاظ بالوظيفة الدستورية أو غيرها من وظائف أخرى مرموقة بل صار لا يطيب عيش لأحدهم الا وهو مسئول كبير والى أو وزير
أو محافظ
أو سفير

وحذار من الاقدام على الاعفاء الذى ربما كان بل فى أحايين كثيرة سببا فى الخروج على التنظيم والعمل ضده لحين معالجة تلك المشكلة ليعاد هذا الالكترون القلق إلى مداره مرة اخرى فيؤمن الشر من جهته فضعف للاسف الاغلب منهم إن لم يكن جميعهم أمام المال والسلطة وربما أمام الجنس والنساء عند البعض
ولن استطع أن

اوصف لكم مدى ما يمارسون من إقصاء للآخر وإستحواذهم لكافة حقوق المواطنة والاستئثار بها دون غيرهم من مواطنين

حكى لى كبير منهم بأنه جئ اليه ذات مرة بكشف يحوى اعفاءات لعدد ممن هم ليسوا من حزبهم من مواقعهم الوظيفية فلاحظ انهم قد سببوا لاعفاء أحدهم بقولهم : ( شوهد يبول واقفا )
أو ربما كان السبب انه لا يصلى الصبح فى جماعة برغم من قرب مسكنه للمسجد فتاجروا بالدين واستغلوه فى السياسة أيما استغلال فانتشر الفساد حتى فاحت رائحته وعلم بذلك من كان سببا فى وصولهم إلى السلطة من الشعب فخاب الظن للأسف مع الحسرة وظن الكثير أن ذلك بسبب الإسلام
لا المسلمين فنادوا بابعاده عن ميدان الحياة العامة

فكانت نتيجة
مخيبة للامال بحق وحقيقة فثارت تلك الشعوب لتزيلهم من السلطة كما حدث فى السودان ما يعرف بثورة ديسمبر
أو ضمرت تلك الشعوب بأن لا تسمح لهم بفرصة أخرى كما حدث فى سابقا بباكستان أو مؤخرا فى المغرب حيث تراجع أولئك الى مقعد خلفى للغاية

والشعوب فى تقديرى هى محقة فى ذلك إذ لم تر شيئا مما وعد به هؤلاء فلا أصلاح لا فى حال الدنيا ولا الدين

أما إذا جئنا للميدان الآخر وهو ميدان العمل الدعوى حيث تنتشر كثير من الجماعات التى ذكرنا بعضها فى بداية مقالنا كذلك تجد من الفشل والاخفاقات ما لا تخطئه عين فقد وصل التحزب والتعصب بهذه المجموعات لدرجة أن ظن كل منها هو الجماعة الناجية وما عداها فى ضلال وهلكة وإن كان البعض يغالط بعكس ذلك
أو ينفى ما نسبناه اليه بأنه لم يقل ذلك ولكن الواقع العملى يصدق ما قلناه حيث ينعدم التعاون بالكلية بين هذه التنظيمات

وقد صار مصطلح الإخاء فى الله محصور بين عضوية الجماعة المعينة كقولهم : ( فلان من اخواننا فى الله ) ولا يتبع إلى أى جماعة أخرى وكأن افراد تلك الجماعات الأخرى لا يجمع بينها وبينهم جامع الاخوة هذا

كما اهملت تلك التنظيمات واجبها تجاه التنظيم الام ( الأمة ) وتمحورت حول ذاتها حتى عقد الكثير منها الولاء والبراء على تنظيمه الدعوى ذلك وغاب الإنصاف والعدل بين اولئك الخصوم وصار كل منهم يحمل الآخر حملا على ما يختار من اختيارات فقهية ووضعوا من الشروط لنيل عضوية جماعتهم ما لم يضعه الإسلام لنيل عضويته

فالاسلام يقبل فى عضويته غير المتحجبة و شارب الدخان بل وشارب الخمر ولكن هم قد يتحفظون حتى على من لم يطلق لحيته او يقصر ثوبه شرطا للعضوية

فتشتت تلك المجهودات وحل الكره والبغض محل الود والأخاء بين افراد تلك التنظيمات والبسوا تلك الخلافات التنظيمية الادارية لباس العقيدة والمنهج والدين وصار بأسهم بينهم شديدا وصنع بينهم الحداد ما صنع فضعف بذلك الإسلام وهان الجميع على الآخرين ممن يفكرون فى أن تحل العلمانية محل الإسلام بعد فشل عدد من المحاولات تحت راية الشيوعية

كما لم تهتم أى جهة منهم بالدعوة إلى جمع المسلمين تحتى راية أهل القبلة فى عملية تنسيقية لا تعنى إلغاء أو اذابة لمجموعة فى أخرى وانما يتم ذلك فقط من خلال تثقيف افراد تلك التنظيمات بتمليكهم ما يعرف بفقه الخلاف (فالتآلف لا يكون إلا عند التخالف )

فهذا الفقه يقى الناس من التشتت ويعينهم على خدمة الإسلام وجعله هو المرمى الأساس لكل هذه المجموعات وذلك من خلال تعاونهم مع بعضهم البعض

فلا خلاص البتة إن لم تنخرط تلك التنظيمات السياسية والدعوية فى مراجعات جادة من خلال ورش عمل ومؤتمرات بغية المحاولة لإصلاح الحال
والله ولى التوفيق
د. يوسف الكودة
فرنسا – بيزانسون-
١١/ ٩ / ٢٠٢١

التعليقات