إزاء إنسداد الأفق السياسي في كل المراحل فإن حزب الأمة القومي ظل يسعى على الدوام لإيجاد مخرج يراعي مصلحة الوطن والشعب إيماناً منه بأن أي مخرج للبلاد لا يستصحب توافق كافة الأطراف لن يحقق الإستقرار، مما يستوجب بناء الثقة بين المكونات للحفاظ على ثورة الشعب ومكتسبات الأمة.
ومنذ يوليو الماضي بدأت أعراض الخلافات بين الشركاء تاخذ منعطفا ينذر بتدهور الفترة الإنتقالية ولذلك خاض الحزب ماراثون بالتواصل المكثف مع قوى الحرية والتغيير وأطراف السلام عبر رؤية العقد الإجتماعي الجديد التي طرحها الحزب منذ أواخر مارس، 2020 من أجل تأمين استراتيجية الحفاظ على الفترة الانتقالية ضد المد والقطع؛ وتوجت هذه المجهودات بالتوقيع على الإعلان السياسي لقوى الحرية والتغيير وحزب الأمة القومي وأطراف السلام في 8 سبتمبر 2021.
وفي منتصف أكتوبر كوّن الحزب لجنة للتواصل مع كافة المكونات المدنية والعسكرية، دحراً لشواهد كثيرة على محاولات الردة وقطع مسيرة الإنتقال ودعماً لإكمال التحول المدني الديمقراطي.
بعد إنقلاب 25 أكتوبر تواصلت الجهود والمساعي في مقاومته منذ اللحظات الأولى بكل السبل والآليات المدنية من تعبير سلمي وتظاهر وعصيان وتعبئة جماهيرية واعلامية ودبلوماسية، بالإضافة للتفاوض والحوار مع شركاء الحزب في الحرية والتغيير وكافة القوى السياسية والمدنية والقوى العسكرية والتواصل مع المجتمع الاقليمي والدولي لاجهاض هذا الإنقلاب والعود بالبلاد الي مسار التحول المدني الديمقراطي .
شاركت عدد من قيادات الحزب في لجنة التواصل المكونه من مجلس التنسيق الأسابيع التي تلت الإنقلاب في مبادرات مجتمعية مختلفة بهدف إخراج البلاد من مسلسل العنف وقتل الثوار العزل والاعتقالات والضرب الذي افقدنا عددا من خيرة شبابنا وشاباتنا بلغ 42 شهيداً وشهيدة وعشرات الجرحى والمعتقلين.
في يوم 20 نوفمبر تمت دعوتنا لحضور إجتماع لعرض مبادرة إتفاق أعدته لجنة فنية قانونية برئاسة الأستاذ نبيل أديب، وتمت قراءة بنود الاتفاق في حضور عدد من الشخصيات السياسية والأهلية وقيادات مجتمعية، وكان موقفنا منه بأننا سنعرضه على مؤسساتنا لإبداء الرأي حوله بالرفض أو القبول أو التعديل.
في اليوم التالي 21 نوفمبر تم التوقيع على هذا الإتفاق بين الفريق عبدالفتاح البرهان والدكتور عبدالله حمدوك وتحصلنا عليه بعد نشره في الإعلام.
في يوم 22 نوفمبر ناقشنا الاتفاق في مجلس التنسيق وتمت الدعوة لإجتماع طارئ للمكتب السياسي للحزب في اليوم التالي وهو الجهة التي تصدر عبرها قرارات الحزب وتمثل الرأي المؤسسي.
ناقش المكتب السياسي الإتفاق بإستفاضة بعد الاستماع لتنوير كامل من الرئيس المكلف والأمين العام واستعراض تقريرين من لجان المكتب المختصة (اللجنة القانونية والسياسية).
رأى المكتب السياسي أن هذا الاتفاق تأسس في الأصل على انقلاب 25 اكتوبر وقراراته التي سماها اجراءات تصحيحية وأكد على رفض الإنقلاب وما ترتب عليه ورأى أنه اتفاق ثنائي لم يشمل الحرية والتغيير كطرف أصيل في الوثيقة الدستورية وأصدر بياناً بذلك.
البيان الصادر من المكتب السياسي يمثل رأي المؤسسات ويلتزم به كل أعضاء الحزب وسيعمل حزبنا عبر لجنة الاتصال للسعي بكافة السبل للوصول إلى مخرج لازمة الوطن بالتواصل والتوافق مع كافة قوى الثورة للوصول إلى مايحقق مطالب الشعب السوداني.
الإتفاق الأخير هو عبارة عن خلاصة مجموعة مبادرات تضمنت مقترحات مختلفة منها ماورد في الإتفاق ومنها مالم يرد وأضيفت إليه نقاط تشرعن الإنقلاب وأولها تأسيس الاتفاق نفسه على إجراءات الإنقلاب المرفوض من كل قوي الثورة بالإضافة لعدم مخاطبته لجذور الأزمة بصورة واضحة وعدم تناول قضية العدالة للشهداء، وجاءت مواده فضفاضة تحتاج لمعالجة لتصبح قابلة للأخذ والرد.
يمضي حزب الأمة القومي بخطيً ثابته لمعالجة هذه الأزمة بدعم مطالب الشعب السوداني عبر الضغط الثوري والتعبئة الجماهيرية وسيتقدم الحزب برؤية متكاملة تحتوي على خارطة تحقق المطالب المشروعة بالعودة الي مسار الإنتقال الديمقراطي.
أهم ملامح هذه الرؤية -حسب رأيي- يجب أن يشمل الآتي :
1) الرجوع للوثيقة الدستورية بأصلها الذي تمت إجازته من قبل الأطراف المدنية والعسكرية كمرجعية للفترة الإنتقالية وإلغاء إجراءات الدولة البوليسية واطلاق الحريات الصحافية والإعلام وحرية التعبير وإنهاء كل أنواع القمع.
2) التعديل للوثيقة الدستورية يكون وفق آلية قانونية متفق عليها مع القوى السياسية لاسيما الحرية والتغيير.
3) إدارة الفترة الانتقالية بموجب الوثيقة الدستورية والتوافق على ميثاق شرف بين كافة المكونات لحماية الإنتقال.
4) التشاور مع قوى الحرية والتغيير وقوي الثورة الحية المؤمنة بالتحول الديمقراطي ولجان المقاومة لتشكيل حكومة الكفاءات المستقلة دون إستثناءات .
5) ضرورة فصل السلطات الثلاث علي أن يعمل المجلس السيادي – الذي سيكون وفق تعديلات الوثيقة الدستورية التي سيتفق عليها- بموجب مهامه المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية فقط.
6) العمل على تشكيل المجلس التشريعي بصورة عاجلة على أن يعقد اول جلساته في الأول من يناير 2022 م.
7) إستكمال المنظومة العدلية ووضع معايير تشكيل مؤسسات الإنتقال الأخرى(المفوضيات) خاصة مفوضية صناعة الدستور ومفوضية الانتخابات. وإصلاح قوانين المؤسسات المدنية والنقابية والإدارية وهيكلة المؤسسات لا سيما المؤسسة العسكرية.
8) إنتقال رئاسة السيادي للمدنيين في الموعد المنصوص عليه في الوثيقة على أن تجري الإنتخابات العامة في يناير 2023م .
9) تنفيذ إتفاق سلام جوبا واستكمال بقية ملفاته لاسيما ملف الترتيبات الأمنية والملفات الأخرى والتواصل مع حركتي عبدالواحد محمد نور والقائد عبدالعزيز الحلو لتحقيق السلام الشامل والعادل.
10) معالجة القضايا المناطقية ذات الطبيعة التنموية والسياسية كقضية الشرق بصورة توافقية عبر مؤتمرات قومية تشارك فيها كل المكونات المحلية لوضع الحلول المرضية للجميع.
11) تشكيل لجنة تحقيق مستقلة يتم إختيار بعض عضويتها بواسطة ممثلي تنسيقيات الثوار وأسر الشهداء للتحقيق في الانتهاكات التي وقعت بعد يوم 25 أكتوبر .
12) إنشاء صندوق قومى لمعالجة الجرحى والمصابين.
13) إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين دون إستثناء.
14) إلغاء كافة قرارات 25 إكتوبر 2021م وما ترتب عليها.
15) ضرورة أن يشمل أي مقترح لحل الإشكال جميع قوي الثورة والقوي المجتمعية الحية خلاف المؤتمر الوطني ومشاركيه .
إن وطننا يمر بمنعطف خطير يتطلب منا جميعاً السمو فوق الجراحات وعدم التمترس خلف المنطلقات السياسية لأحزابنا وكياناتنا والعمل بيد واحدة من أجل تحقيق مطالب الثورة كاملة والحفاظ على مكتسباتها، فالثورة بالغة قصدها بعزم أكيد إن شاء الله.

قال تعالي {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } صدق الله العظيم

والله ولي التوفيق

التعليقات