ليس غريبا على أهل السودان ان يبدعوا ثورة شعبية صارت محل تقدير في كل البلدان، فقد كانوا أول شعب في الدائرة العربية الأفريقية يستخدم العصيان المدني لإسقاط حكومة عسكرية (عبود 1964)، وقبل كل ذلك شهد السودان اول حركة تحرر وطني ناجحة بقيادة محمد احمد المهدي ضد الاستعمار التركي
أكتب هذه السطور غداة اقتحام الأسود القصر الجمهوري، الذي فتح من قبل ساحاته للقرود ووفر لهم الموز والمكسرات، وتعرضهم لقمع وحشي، ولكن ومهما فعل الكجر والتتر فحائط القصر انكسر وشباب الثورة انتصر، وبقي فقط الاحتفال بالنصر النهائي بعد الإطاحة بغردون الجديد
استلهم ثوار ديسمبر تجربة المهدي في تحرير الخرطوم، والتي بدأت بمناوشات بهدف تضييق الحصار على غردون الأصلي في الخرطوم، قام خلالها المناضل عثمان دقنة بقطع طريق بربر – سواكن لمنع الواردات عبر البحر الأحمر والشرق عموما، وتولى الشيخ عبيد ود بدر احتلال المنطقة شمال الحلفايا، بينما قام الشيخ محمد الطيب البصير مسنودا بقوات من الشكرية تحت قيادة عبد الله عبد الكريم أبو سن بقطع طريق الخرطوم سنار وتولى محمد عثمان أبو قرجة امر الحصار في الجريف وبري، بينما عسكر عبد الرحمن النجومي وجنوده في منطقة القوز، وتولى حمدان أبو عنجة عزل منطقة ام درمان، تاركا المهدي نفسه على راس قوة كبيرة في أبو سعد في ام درمان، وفي ظل الحصار المحكم ترنح حكم غردون وهرب كثيرون من معاونيه ثم جاءت ساعة الصفر يوم 26 يناير 1885 واجتاحت قوات المهدي الخرطوم خلال ساعات وقتلت غردون وشيعت الحكم التركي الى مثواه الأخير
ومنذ انقلاب الشؤم الذي نفذه الغربان والبوم في 25 أكتوبر المنصرم وقوات ثورة ديسمبر في حالة مناوشات مع قوات غردون القرن الحادي والعشرين، وكما فعلت قوات الثورة المهدية فقد اضطلع بمهمة اجتياح القصر بعد طول حصار قوات أبو قرجات بري والجريف وشرق النيل من ناحية الشرق وكتائب ود بدر من بحري والحلفايا وشمبات من ناحية الشمال، بينما تولى احفاد أبو عنجة من ام درمان الكبرى أمر الجبهة الغربية وكان للنجوميين من الكلاكلات والصحافة وجبرا وبقية احياء الخرطوم شرف اكتساح الجبهة الجنوبية، مسنودين بفرسان وكنداكات من الحصاحيصا ومنطقة الجزيرة فيما كان امراء الثورة في كل الأقاليم يقومون بمهام عزل نظام برهون غردون بكفاءة عالية
بدأت معركة تحرير الخرطوم من جند غردون الأصلي في أكتوبر 1884 واكتمل النصر في يناير 1885، تماما كما بدأت الحرب المكشوفة بين غردون الجديد ومن يساندونه من الباشبزق في أكتوبر، وسينتصر ورثة بطولات أبو قرجة وأبو عنجة والنجومي بحلول يناير المقبل بإذن الله، وعندها لن يكون “قائدنا مرتزق/ وشيخنا قرصان/ … ولن نكون مواطنين دونما وطن/ مطاردين كالعصافير على خرائط الزمن/ ومسافرين دونما أوراق، وموتى دون كفن

التعليقات