تعد قرية الشرفة بالجزيرة والتي أصبحت الآن مدينة بامتياز أول بقعة محررة في السودان تعلن الجهاد والتمرد ضد غردون باشا بعد المبايعة الشهيرة بين الشريف أحمد ود طه والإمام المهدي، التي تمت سراً قبل هجرة الامام المهدي إلى الجزيرة أبا.
وقد نالت قرية الشرفة شرف أول معركة في سبيل التحرير وتوحيد السودان، حيث استشهد الشريف احمد ود طه ومجموعة من أهله الأشراف وأحبابه وتلاميذه ومريديه بعد ثلاث معارك.
ومن كرامات الشريف أن جثته التي كان يطالب بها غردون لصلبها على جدار القصر بالخرطوم اختفت وسط دهشة الجيش الغازي، وقد قال عنها الإمام المهدي في فتوى جريئة بعد أن صلى عليه صلاة الغائب في الجزيرة أبا: (يسألونك عن اختفاء جثمان الشريف أحمد ود طه، والإجابة اليقين أن الله قد اصطفاه ورفعه إليه كما رفع عيسى بن مريم اكراما له من دنس أيدي الكافرين)

ومن الأفعال التاريخية للشريف أحمد ود طه انه أشرف على الهجرة الأولى، فقد وصى أهله ومريديه إن استشهد أن يهاجروا للإمام المهدي في الجزيرة أبا مناصرين واهداهم شعار الهجرة الأول

بشاير الخير جلينا
واليوم ظهر مهدينا

وقد شاع وسط السودانيين وفي منشورات المهدي منشوره حول استشهاد الشريف الذائع الصيت برسالته إلى بعض قبائل الوسط التي ناصرت المستعمر في معركة الشرفة: ( قتلتم الشريف أحمد ود طه خذلة للدين ونصرة للكافرين، وسوف تعلمون نبأه بعد حين
أجارنا الله في الشريف وأجاركم الله في شفاعة جده يوم القيامة)
ومن المواقف المحزنة والمؤثرة أن المشايخ والصالحين الذين دخلوا الخرطوم فاتحين مع الإمام المهدي، موقف الشيخ العبيد ود بدر الذي افتقد صديقه المجاهد الشهيد أحمد ود طه وقال باكياً: (الشريف هو الوزير السار قبل العريس، والشريف طوى السباتة من نصها) فصارت مقولته مثلاً عند أهل السودان.

ومن اجتهادات أهل الشرفة التي تجاوزت حتى اجتهاد الإمام عبد الرحمن المهدي القائل: (كل أنصاري حزب أمة، وليس كل حزب أمة أنصاري) ولكن أهل الشرفة لديهم مقولة مشهورة (أي مواطن في الشرفة له حزبه،لكنه أنصاري)
فالإسلاميون مثلا في الشرفة ينتمون للحركة الاسلامية، ولكنهم أنصار، والاتحادييون ينتمون للاتحادي الديمقراطي، لكنهم يظلون أنصارا للمهدية. واليساريون على قلتهم ينتمون للجبهة المعادية للاستعمار والحزب الشيوعي، لكنهم يظلون أنصاراً.
والحديث حول أمر الشرفة يطول، تلك البقعة المباركة المجاهدة التي تنكر لرمزيتها المؤرخون، وحتى الحزب الذي تنتمي له بعدما سيطرت على قيادته نخبة من العلمانيين منذ تأسيسه إلى اليوم متنكرين لكل قيم التحرر والاستقلال الحقيقي.

وبيت القصيد الذي دعاني لهذه السيرة القدسية والمقدمة أنني تذكرت أنصار الشرفة حين سألوا الراحل الشريف أحمد بن الشريف بركات حفيد الشريف أحمد ود طه بعد انقسام حزب الأمة في الستينات إلى جناح الهادي وجناح الصادق: لأي الجناحين تنتمي؟
فاجاب ببديهة حاضرة : (أنا لست جناحاً لهذا أو لذاك أنا الطيارة ذاتا)

وقد استعرت هذه الإجابة اللطيفة، حين سألني أحد شباب الأسرة الثائرين هذه الأيام إنت يا أستاذ إلى أي جناح تنتمي المدنية أم العسكرية؟
فقلت له بنصف رضا وابتسامة: أناا الطيارة ذاتا.
ويبقى الجدل الأكاديمي قائماً من الذي قال أن هنالك تناقضٌ ما بين المدنية والعسكرية في بناء الدولة القديمة أو المعاصرة؟

التعليقات