اكتب هذه الكلمات على كمبيوتر ديل DELL أنا ابن الجيل الذي تعلم الكتابة على لوح حجر الأردواز واللوح الخشبي، وانظر عبر النافذة وأرى سيارتي التي هي قطعا أجمل من الحمار الذي أهداه لي خالي “أبيض” فحسبت يومها انني ولد “عز”، وعلى يساري هاتف آيفون أنا الذي استخدمت التلفون لأول مرة عندما اتصل بي شقيقي عابدين من كوستي وانا طالب في مدرسة وادي سيدنا الثانوية ليبلغني ان جدتي ماتت، وتم استدعائي الى مكتب ناظر المدرسة لتلقي المكالمة، ومن فرط الانبهار بالتجربة ظللت أحكي لزملائي عنها واشرح لهم كيفية تلقي المكالمات وهكذا طغى الفرح باستخدام التلفون على حزن وفاة الجدة
سبحان مغير الأحوال فقد أتى علينا حين من الدهر كنا نجاهد لاختصار المسافات لنتواصل مع الأهل والأصدقاء بالرسائل البريدية، وكان هناك التلغراف، وجاء التلكس وقضى على التلغراف ثم جاء الفاكس وانقرض التلكس، وجاء الهاتف الجوال ومعه خاصية الرسائل النصية وقضى على الفاكس، ثم جاءت الكمبيوترات والنسخة الذكية من الهاتف الجوال فصارت هناك عدة وسائل للتراسل
عندنا في السودان هناك جهات حكومية كثيرة لم تسمع بالقرن العشرين، قبل نحو خمسة أعوام كان علينا الوقوف أمام محكمة شرعية سودانية، للحصول على إذن لزواج ولدي حامل الجواز النيوزيلندي من شابة سودانية، وكان هذا اجراء ضروريا للتأكد من ان ابن جعفر عباس سيد أحمد “مسلم”، وذهبت الى المحكمة حاملا عريضة مطبوعة، ولكن كاتب المحكمة صاح: حيلك، المسألة مش بالبساطة دي، روح عند أحد كتاب العرائض أمام المحكمة ليكتب لك الطلب، وذهبت الى أحد أولئك الكتبة، وصاغ لي طلب الزواج بلغة تعود الى العصر العباسي (قلنا ماشي طالما الولد حفيد “عباس”)، وجاء في أول سطر من الطلب: أنا الرجل الذكر فلان بن فلان … الزواج بالأنثى فلانة بنت فلان، ولا أعرف ما إذا كان هناك رجل غير “ذكر” وامرأة غير أنثى، وإن كان الرجل الذكر يتزوج بامرأة غير أنثى
تغيرت الأحوال من حولنا كثيرا، فقد صار التُكُل / الدونكا مطبخا (رحم الله الشاعر حميد الذي تغنى المطرب الراحل الجميل محمد كرم الله بقصيدته “شن طعم الدروس….” وفيها يتحدث عن لحظة سهو خلال حصة دراسية في المدرسة البعيدة عن الوطن الصغير: ﻓﻰ ﺍﻟﺤﺼﺔ ﻋقلي ﺃﻧﺎ ﻗﺎﻡ ﺳﺪﺭ/ ﻳﻤﻪ ﺍﻟﻤﺪﺭﺱ ﻟﻮ ﻓﻜﺮ/ ﻛﺎﻥ يلقاه ﻗﺎﻋﺪ ﻓﻮﻕ ﻛﻜﺮ ﻓﻰ ﺍﻟﺪﻭﻧﻜﺎ ﻟﺴﻊ ﻣﺎ ﻓﻄﺮ/ ﻳﺴﻤﻊ ﻛﻠﻴﻤﺔ ﻳﺎ ﻋﺸﺎﻱ/ ﻭﺃﻏﻠﻰ ﺍﻟﺤِﻜﻢ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻀﺠﺮ/ وﺃﻧﺎ ﻗﻠﺒﻰ ﻛﻠﻮ ﻋﻠﻴﻚ ﺟﻨﺎﻯ/ ﻭﻗﻠﺐ ﺟﻨﺎﻯ ﻋﻠﻰ ﺣﺠﺮ
ومن الاستحمام في الطشت انتقلنا الى الدش، وعرفنا البتاع المسمى بانيو وكنت أحسب الجاكوزي من فنون المصارعة اليابانية وعرفت لاحقا أنه عبارة عن حوض للاستحمام جلوسا يأتيك فيه الماء من عدة اتجاهات و”يكلكلك”، ويا حليل الراديو، وكنت اتباهى في صباي بأن شيخ موسى اكليش ابن خالتي، فقد كان كلما أتى الى بدين من البندر أتى براديو عملاق يجلس أمامه علية القوم متابعين للبث، ويسمح لي وأخي محجوب بالجلوس في الصفوف الخلفية (أكليش لقب لعائلة من حينا واصل الكلمة ان كبير العائلة “سيد” وبحكم العيش لبعض الوقت في مصر كان يتكلم العربية وإذا سأله أحدهم: لماذا فعلت كذا وكذا؟ يقول: أكل عيش، ولأن حرف العين يسبب تضخم البروستات للمرأة النوبية وتكيُّس المبايض للرجل النوبي فقد صارت “أكليش”)
وأما بنعمة ربك فحدِّث
المقالات
جعفر عباس يكتب :وغادرنا العصر الحجري الوسيط
التعليقات