يستخدم أهل البندر يستخدمون في أحاديثهم اليومية ما يسميه بعض الباحثين اللغويين “عامية الخرطوم”، وبعضهم يعتبر بعض الكلمات التي ترد على ألسنة أهل البوادي والأرياف “بلدية”، ومنها مثلا “قلَّ” بمعنى يرفع ويحمل، وهناك الدعاء “يا الله أديها قلَّة” أي ارفع عنا ظروف الشدة، مع أن الكلمة فصيحة، ونقول أقلّته المركبة، واستقل فلان السيارة، ويقول تعالى “وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتي اذا اقلّت سحابا”، وهناك “يلقف” بمعنى يتناول او يلتقط الشيء بسرعة باللسان أو اليد “لقف الكلام من خشمي”، وعصا موسى عليه السلام لقفت “ما يأفكون”، ومذبذب بمعنى لا يثبت على موقف أو راي فصيحة جدا، وسرح في عامية المدن تعني فقط “التوهان والشرود الذهني/ السرحان”، بينما يقول القروي إنه سرح بالبهائم، وهي فصيحة، وتعني التحرك بها الى مختلف الاتجاهات وماعون بمعنى وعاء فصيحة (ماعون اللبن او الملاح أو الموية )
وبحر بمعنى نهر فصيحة، وجاء في القران الكريم “وما يستوي البحران، هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج “، ولا أعرف غيرنا من الناطقين بالعربية يسمى الثقب والشق “قد”، ونقول قربة مقدودة، وفي “الدعا” نقول: الله يقدّك” ويقول هاشم صديق: هديمك يا وليد مقدود، وهو هنا يستعير العبارة من سورة يوسف التي تتحدث عما إذا كان قميص يوسف عليه السلام مقدودا من قُبُلٍ أو دُبُرٍ
أما مفردات العامية السودانية التي فشل حتى السيد قوقل في تعريفي بأصلها وفصلها فهي – على سبيل المثال: أجي، التي تأتي على ألسنة النساء من باب الاستنكار والاستفهام، وكُر، التي تقال تمنيا لدرء حدث غير مرغوب فيه، وبشتن أي زاد الشيء او الشخص قبحاً، وكان حلاق مدرستنا وادي سيدنا الثانوية المحتلة عسكريا حاليا، يحمل اسم بشتنة، لأنه كان “يزعمط” شعر كل يسلمه رأسه، وعندنا حمبك يحمبك حمبكة، عن عدم قبول الأمر، والبحث عن ذرائع للتملص من شيء ما، وعندنا “خرخر”، وتقال عن عدم قبول أمر ما، وتعجبني كثيرا كلمة الجهجهة لأن لفظها ينُمُّ عن التوهان وفقدان القدرة على التمييز، ومن التعابير العامية البليغة قولهم فلان أو الشيء دا “جهجه باكاتنا”، والباك هو المدافع في كرة القدم، المكلف بحماية المرمى من “الأهداف”، وجهجه الباكات بالتالي تعني تعرض المتكلم لموقف صعب لا يعرف كيف يصمد إزاءه
واختتم هذه السلسلة من المقالات بالإشارة إلى أن عاميتنا لم تأخذ فقط من التركية والإنجليزية بل أخذت مثلا من الفارسية كلمة بخت ومن الإيطالية بوفيه و”كمبو” بمعنى معسكر وتربيزة من اليونانية القديمة (ترا تعني 4 بينما بيزا تعني قدم وبالتالي فالتربيزة هي قطعة الأثاث ذات الأربعة أرجل) وبنطلون من الفرنسية، وبرنده من الهندية ومكنة من الإيطالية وليس مشين الإنجليزية
(هل تعرف الدردر والصريف؟ أما الدردرة فهي التلتلة والجرجرة والبهدلة، ويقول جماعة عقد الجلاد: ولداً متين بقى للسفر والاغتراب والدردرة)
هاتوا ما تعرفون من كلمات عامية أصلها فصيح وكلمات تم نجرها وأصلها مجهول وبسبب الضوائق الاقتصادية قمنا بضغط المنصرفات من الحروف، فكلمة هسع اصلها ها الساعة، ثم جعلناها أسع ثم هسا ثم أسي (دي) والراديو جعلناه الرادي وساكت جعلناها ساي وعشان اصلها “على شأن” عشان شنو يعني على شأن ماذا؟ وصارت عشان عند البعض “شان”.. شان عيون اطفالنا ما تضوق الهزيمة ورحم الله محمد طه القدال.

التعليقات