الخرطوم : عبد الناصر الحاج
منذ وقوع انقلاب 25 أكتوبر، استفاقت لجان المقاومة السودانية باكراً من خانة الاستكانة لمنهج الشراكة السياسية بين المكون العسكري والمدني في تسيير المرحلة الانتقالية وصولاً إلى الانتخابات، وعلى الرغم من لجان المقاومة كانت ترفض هذه الشراكة مع المكون العسكري تحديداً لأنها تحمله وزر الجريمة التاريخية الخاصة بفض اعتصام القيادة العامة في يونيو 2019م، فضلاً عن تشكيك لجان المقاومة في صدقية انحياز المؤسسة العسكرية عبر قيادتها الحالية للثورة السودانية، إلا أن لجان المقاومة كانت تؤكد في كل فاعلياتها الثورية خلال الحقبة الأولى من الفترة الانتقالية، دعمها لحكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وأنها كانت تبرر كل انشطتها الثورية انذاك، بأنها موجهة بالدرجة الأولى لتصحيح مسار الثورة السودانية عبر حث الحكومة التنفيذية المدنية لاستغلال كل صلاحيتها لتنفيذ العدالة الانتقالية وتفكيك بنية المنظومة البائدة واستكمال هياكل السلطة الإنتقالية، وتقليص صلاحيات المكون العسكري في إدارة الدولة والاقتصاد والعلاقات الخارجية، إلا أن القوى السياسية الشريك المدني في الحكم، كانت لا تنتبه كثيراً لتحذيرات لجان المقاومة، إلى أن وقع الانقلاب وعصف بكامل الحكومة الانتقالية ومزق الوثيقة الدستورية التي ارتضاها الثوار على علاتها لصالح المُضي خطوة للأمام في سكة إعادة بناء الدولة السودانية على نحو مدني ديمقراطي. وبعد الانقلاب مضت لجان المقاومة في سكة مناهضة الانقلاب بالحراك الثوري الذي كلف لجان المقاومة خسائر فادحة في أرواح الثوار، لكن تمسكت المقاومة برفض اية تسوية مع الانقلاب، وتمسكت بضرورة إسقاط الانقلاب ومحاكمة منفذيه واعادة البلاد إلى وجهة ثورة ديسمبر بعد أن تم اختطافها ووأدها. وقد ظل التفكير العميق في جذور الأزمة السودانية هو أحد أهم المواضيع التي تطرحها المقاومة، إلى أن تم تلخيص ذلك في ضرورة تأسيس سلطة الشعب الذي هو صاحب الثورة وصاحب المصلحة الحقيقية في التغيير، وهو من دفع فاتورة تغيير النظم الشمولية عبر امتداد تاريخ الدولة السودانية. وهاهي لجان المقاومة تتدافع وبعد رحلة شاقة في العمل والبناء القاعدي للتوقيع المشترك بين تنسيقياتها المختلفة على الميثاق الموحد لتأسيس سلطة الشعب، حيث وقعت أكثر من خمسين لجنة مقاومة وأجسام مطلبية في السودان ، الاسبوع الماضي ، على ميثاق سياسي منقح يرفض أي تفاوض مع قادة الانقلاب العسكري، وعلى رأسهم قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، أو عقد أي تسوية سياسية معهم. وأوضحت اللجان والأجسام الموقعة على الميثاق، في بيان لها، أن لجنة فنية مشتركة أنهت ورشة مغلقة لمدة 10 أيام لتوحيد المواثيق السياسية، وخرجت بـ”الميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب” ليمثل الرؤية السياسية للجان المقاومة. ودعا البيان بقية اللجان التي لم تشارك في صياغة تلك المسودة إلى “الإسراع في تداولها ومناقشتها، حتى تمثل هذه الرؤية كل لجان المقاومة في كافة ربوع الوطن”، مؤكداً أن المسودة قابلة للتعديل والتطوير.
وينص “الميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب” على إلغاء الوثيقة الدستورية لسنة 2019، بما فيها اتفاقية سلام جوبا، وتأسيس وضع دستوري عن طريق دستور انتقالي يستند إلى الميثاق الثوري. ويختلف الميثاق عن سابقيه في جزئية بناء هياكل السلطة الانتقالية، وذلك باقتراحه تشكيل المجلس الثوري المؤقت كآلية لاستلام السلطة بعد سقوط حكم العسكر، وتسيير الدولة بشكل مؤقت، على أن يتكون من ممثل عن كل ولاية. ونص الميثاق على أنه من مهمة المجلس اختيار رئيس وزراء مؤقت، يشكل حكومة تنال الثقة المجلس الذي عليه أن يعين أيضاً محافظ بنك السودان ويجيز تعيين رؤساء المفوضيات المستقلة. ويقترح الميثاق إلغاء وظيفة القائد العام للقوات المسلحة، على أن يكون رئيس الوزراء هو القائد العام، ويرفض الميثاق أي دعوات للتفاوض المباشر أو غير المباشر مع الانقلابيين، والاستمرار في المقاومة السلمية. كما يدعو لإسقاط انقلاب البرهان، باعتباره امتداداً لنظام الرئيس المعزول عمر البشير، ومحاسبة كل الضالعين فيه من القوى المدنية والعسكرية.
الجريدة
التعليقات