كانت مدرسة البرقيق الوسطى، شأنها شأن كثير من مدارس تلك المرحلة في جميع أنحاء السودان، مركزا للكثير من الأنشطة الثقافية والرياضية، وكنا نضرب أكباد الشاحنات لتشجيع فريقنا وهو يلعب ضد مدرسة دلقو الوسطى، بينما كنا نذهب الى أرقو سيرا على الأقدام لمتابعة مباريات الفريق، وفي مساء كل يوم اثنين كانت تنعقد الجمعية الأدبية، حيث تتاح الفرصة للمبدعين لقراءة نصوص شعرية او نثرية، وتقديم اسكتشات مسرحية، ثم أخرجنا مسرحية مجنون ليلى الشعرية، واستأجرت لنا إدارة المدرسة لوري طفنا به ديار الشايقية: مروي والكرو ونوري والبركل وكريمة وغيرها، حيث زرنا آثار مملكة نبتة، وكان اهل القرى والبلدات التي نمر بها يقطعون علينا الطريق ليقوموا بواجبات الضيافة نحونا، فعبرنا النيل بالمراكب تلبية لدعوات هنا وهناك وقدمنا عروضا مسرحية غير مبرمجة، وفي كل مكان كانوا ينحرون الخراف ويطعموننا ثم يزودوننا بالتمر والفاكهة لما تبقى من رحلاتنا، وكان معظمنا يفرح كثيرا بذلك لان قسما كبيرا من الزاد الذي اشتراه المعلمون المرافقون لنا كان سمك الساردين، الذي رفض معظمنا أكله باعتبار انه غير مطبوخ ويبدو كاملا وسالما وهو في علبته (ولك ان تعجب لقوم يأكلون الملوحة/ التركين بنهم ويرفضون الساردين)، وفي ختام كل عام دراسي كان هناك يوم الآباء حيث يفد الآباء الى المدرسة في اول المساء، ويتابعون عروضا مسرحية وغنائية
في مدرسة في ولاية نهر النيل الحالية كان هناك عمل مسرحي يتم تقديمه في يوم الآباء، وكان طالب طويل وعريض يقوم بدور السلطان، وعندما يقول له الحاجب: بالباب رجل يا مولاي. يقول صاحبنا السلطان: دعه يدخل، وسارت المسرحية “في أمان الله” الى ان جاءت لحظة صياح الحاجب: بالباب رجل يا مولاي، فإذا بالسلطان يقول: دعه يخش، هنا انتفض ناظر المدرسة واقفا وهو يصيح: دعه يخش؟ الهي تخش في جهنم وانت حي ويشووك من لسانك.. اصبر لي يا ود الكلب كان ما خليتك تخش في أضافرك!! وهاصت المسألة وتوجه بعض الآباء نحو الناظر: يا رجل استغفر الله.. ما تحرق دمك.. المسامح كريم، فهدأ الناظر قليلا وقال لهم: أنا آسف لما بدر مني، لكن كلموا أبو الولد دا يجي يشوف ليه مدرسة تانية لأني لو شفتو قدامي ما بضمن سلامته (ولأن المعلم في ذلك الزمان كان صاحب أعلى مرتبة أدبية في المجتمع فلم يؤاخذ أحد ذلك الناظر على سلوكه وألفاظه التي كانت جارحة أكثر من “دعه يخش”)
المقالات
جعفر عباس يكتب :البرقيق- أدب ورياضة وفنون
التعليقات