كانت وادي سيدنا قرية جميع سكانها من المعلمين والطلاب والعاملين في مدرستها الثانوية، ومن ثم كان ناظر المدرسة هو حاكم القرية وحتى رجال الشرطة في النقطة العسكرية الواقعة غرب المدرسة وبمحاذاة الطريق المؤدي الى السروراب، كان ملزمين بتلقي الأوامر منه وتنفيذ ما يطلب، وكان بالمدرسة مركز صحي به حديقة مذهلة الجمال وبها عنبران صغيران كانا يستخدمان للحجر الصحي في حال تفشي امراض سريعة العدوى، وكانت بها مدرسة ابتدائية لأبناء العاملين والمعلمين، وثلاثة اندية واحد للمعلمين والثاني للعمال والثالث للطلاب، وعطفا على ذلك كان للمدرسة محطة كهرباء مركزية تتغذى من خط يأتي من الضفة الأخرى من النيل، ومحطة مياه، وبقالة وصالون حلاقة (كان حلاق المدرسة لسنوات طويلة رجل أسماه الطلاب بَشْتَنه، فقد كان يقص الشعر وهو في غالب الأحوال تحت تأثير المريسة، واللي بدو يصير، يصير، ولهذا كان أولاد العز يقصدون صالونات حلاقة في ام درمان بينما كنا نحن القرويون نرضى بالبشتنة لأنها كانت تكلف خمسة قروش فقط، ولو زوغت دون دفع تلك القروش فإن عم بشتنة لم يكن ينتبه لذلك- وبالمناسبة كانت هناك انداية على مسافة بعيدة من المدرسة غربا، يتوقف عندها سائقو الشاحنات للتزود ب”الوقود” في رحلاتهم شمالا وجنوبا)
كان ناظر المدرسة هو المرحوم خالد موسى الذي أتانا من بون في ألمانيا الغربية حيث كان ملحقا ثقافيا في السفارة السودانية، وكانت ثقافته في مجال الأنساب والقبائل السودانية موسوعية، وكان لسانه رباطابيا لاذعا يجلد به “أبناء غادي من اللفة” كما كان يقول عنا نحن أبناء المنطقة من ديار الشايقية حتى حلفا القديمة، الموصومين عنده بالجلافة، ومع هذا فإذا ذهب أي طالب الى بيت خالد موسى لأي أمر فإنه كان يكرمه بالحلوى والكعك والبسكويت المنزلي، ويقدمه الى زوجته او بنتيه نفيسة وسلافة (له ولدان كانا وقتها يدرسان في الخارج)، وذات يوم كنت “مزوغ” كالعادة من حصة رياضيات، واجلس في العنبر في داخلية أبو قرجة حينما مرت بي نفيسة ومعها طفل من أقاربها اسمه كمال عائدين من المدرسة الأولية، ولأن نفيسة سبق لها ان التقت بي وكانت تعرفني فقد دخلت العنبر وطلبت مني ان اساعدها في رسم مرمى لكرة القدم يستقبل هدفا حسبما كان مطلوبا منها في المدرسة، وشرعت في الرسم (رغم ان قدرتي على الرسم مثل قدرة علي كبك في نظم الشعر)، وهما متشعلقان على ظهري ويطلقان صرخات طفولية، وفجأة ران صمت مريب على المكان فرفعت رأسي، ثم اصدر قولوني صوتا ينذر بالخطر وأحسست ان مفاتيح مثانتي على وشك ان تصبح “محلوجة”، فقد وجدت خالد موسى يقف خلفي مباشرة وكنت متأكدا بصدور حكم ضدي ب”الإعدام” للزوغان من الحصة، فإذا به يقول: انت من غادي من اللفة لكن نبيل.. الأطفال لا يحبون إلا الشخص النبيل، ولم يأت على سيرة الزوغان، وصار بعدها وكلما مررت به وهو يجالس مدرسين او طلبة يقول لهم: الزول الأغبش دا محسي لكنه متحضر ونبيل
• الديمغرافيا demography فرع من علم الاجتماع يعني بالسكان والدراسات السكانية

التعليقات