أسمح لي أن اخاطب سيادتكم هذه المرة عبر هذه الرسالة المفتوحة، فقد كنت انتظر منك خلال الأيام الماضية، شأن كل السودانيين والسودانيات، إعلاناً يُثلج الصدور بالجنوح إلى السلم والموافقة على دعوة الخارجية الأمريكية للتفاوض مع الدعم السريع في جنيف، إنحيازاً لرغبة الشعب السوداني المكلوم، وهي رغبة تتعارض للأسف طوال العقود الأربع الماضية مع توجهات ومصالح المحيطين بك من فلول، ومشاريع وتطلعات سياسية وشخصية فاسدة تتغذى على دماء ومعاناة شعبنا.

السيد القائد،
عقب إنقلاب ٢٥ أكتوبر، والرفض الشعبي الواسع للإجراءات المتخذة من جانبكم، اتخذتم أنتم شخصيا خطوات جريئة بإبتدار حوار مع قوى الحرية والتغيير، حيث تولى الفريق عبدالرحيم دقلو بدء النقاشات مع قيادات من قوى الحرية والتغيير، ثم تطور إلى حوارات عميقة بإنضمام الفريق ياسر العطا وتم تبني الحل التفاوضي للوصول إلى محطة إنهاء الأزمة الوطنية الناجمة عن إنقلاب/ إجراءات ٢٥ أكتوبر، وقد كان لي شرف تمثيل مكونات عديدة رأت ضرورة السير قدماً في الحوار مع الإنقلاب رغم اعتقال قادة سياسيين وناشطين في مقاومة الإنقلاب كانوا على رأس التفاوض، وبفضل تلك الخطوة وصلنا بسلام إلى محطة الإتفاق الاطاري، كنا على بعد توقيع واحد من الوصول إلى الاتفاق السياسي النهائي حيث تم إعداد مسودته الأولية قبل يوم واحد من إشعال الفلول لهذه الحرب.

السيد القائد،
كانت بلادنا تسير على حقل ألغام سياسية وأمنية، وكانت كل المؤشرات تقول ان البلاد بحاجة ماسة إلى قرارات جريئة تضع حداً للانقلاب، تدمج الدعم السريع في القوات المسلحة، تحافظ على اتفاق سلام جوبا وتستعيد مسار الإنتقال المدني الديمقراطي لتتجاوز مرحلة الاحتقان، وتنفتح على تطلعات شعبنا في السلام، الأمن والعيش الكريم تحت مظلة دولة مدنية ديمقراطية.
للأسف لم تتحقق هذه الأهداف وكانت الحرب التي قتلت عشرات الآلاف من المدنيين والعسكريين، شردت الملايين داخل وخارج السودان، وضعت البلاد على حافة المجاعة وعمليا قتلت هذه الحرب البلاد واعادتها عشرات السنوات إلى الوراء، وإذا استمرت لعام قادم ستكون الحرب التي أبادت الشعب السوداني وتركت البلاد أرضاً بلا شعب ولا سيادة.

السيد القائد،
ان هذه الحرب لن تنتهي بانتصار عسكري، ولن تنتهي إلا بالتفاوض وأنتم أكثر علماً بهذه الحقيقة. أنتم أمام مسئولية تاريخية ووطنية، وأمامكم اليوم الفرصة لإغتنامها من أجل إيقاف الحرب، وإذ أتفهم أنكم تتحركون في حقل ألغام، فإن واجبكم هو التعامل مع هذه الألغام بما يضمن تجاوزها من أجل مصلحة البلاد والشعب، وأدعوك إلى إرسال الوفد العسكري اليوم قبل الغد إلى جنيف، فإذا تعذر ذلك أقترح عليك الآتي :

١. إعلان الإلتزام بالتفاوض بحسن نية مع الدعم السريع تحت مظلة الرعاية الأمريكية/ السعودية لتحقيق هدف وقف الحرب وتحقيق مصالح الشعب السوداني.
يشعر السودانيون/ت ان القوات المسلحة مترددة من حيث المبدأ في إقرار مبدأ التفاوض من أجل وقف الحرب، وأن إستجابتكم لهذه المفاوضات تتعلق بالتكتيك وفي إطار العلاقات العامة وليست قناعة إستراتيجية وهو ما يؤدي إلى استمرار الحرب وإلى زيادة معاناة الناس داخل وخارج السودان.
٢. إعلان فوري من طرف واحد لوقف إطلاق النار لمدة شهر، مع الإحتفاظ بالحق في الدفاع عن النفس.
هدف مفاوضات جنيف هو وقف إطلاق النار، ووضع تدابير الإستجابة للوضع الإنساني الحرج بالبلاد، طالما غاب الجيش عن طاولة التفاوض يمكنه الآن إعلان وقف إطلاق النار، ومن المتوقع ان تستجيب قوات الدعم السريع لهذا الإعلان، ومن ثم يمكن خلال الأسبوع الأول للوساطة ان تتولى إدارة تفاوض غير مباشر حول شروط وقف إطلاق النار وآليات المراقبة، كما يمكن التفاوض حول أفضل بيئة لإستئناف النقاش المباشر بين الوفدين.
٣. تتحملون شخصياً كقائد عام للقوات المسلحة المسئولية الوطنية ووالاخلاقية أمام شعبكم، ولا يشاركك في هذه المسئولية أعضاء نظامك أو أصحاب الحلاقيم الكبيرة، وأنت تتمتع بالقدرة على إتخاذ القرارت الكبيرة وان كنت قد اتخذت سابقا قرارات كبيرة غير موفقة وأخرى موفقة، فإنني أقترح عليك إتخاذ قرار كبير سيدعمه كامل شعبنا بفك الإرتباط مع المشروعات السياسية التي تتغذى على الحرب والذهاب للتفاوض من أجل إنهائها.

أ. محمد حسن عربي
والي ولاية شمال دارفور السابق.
١٤ أغسطس ٢٠٢٤م.

التعليقات