بسم الله الرحمن الرحيم
إمام الحلو
13 اغسطس 202
في لقاء قصير على قناة الجزيرة مباشر يوم السبت 9 أغسطس الجاري، شاركني فيه الحبيب مصطفى آدم عضو الهيئة المركزية بحزب الامة القومي. تعقيبا على قرار صادر من رئيس الحزب المكلف اللواء م/ فضل الله برمة ناصر يوم الخميس 7 أغسطس، بإعفاء عدد من نواب ومساعدي الرئيس من مهامهم.
وفي سؤال من مقدم البرنامج حول رأيي في قرار اللواء م/ فضل الله المشار إليه، قلت أن القرار لا تأثير له في ظل القرارات المتضاربة بين الرئيس والنواب، وأن هذه الظاهرة، هي احد إفرازات حرب ابريل الكارثية والاضطرابات التي احدثتها داخل التنظيمات السياسية والمجتمعية. وأن الرئيس عندما قرر الذهاب إلى نيروبي وتأييد حكومة الامر الواقع حكومة تأسيس هو قرار فردي غير مدعوم من مؤسسات الحزب المعنية، وهو مثل قرار النواب الذين قرروا الذهاب إلى بورسودان وتأييد حكومة الامر الواقع حكومة الأمل.. هو أيضا قرار فردي غير مدعوم من مؤسسات الحزب المعنية. وأن هذه البيانات المتناقضة هي صادرة من مؤسسة واحدة تضم الرئيس والنواب ، وأن بقية المؤسسات المركزية الدستورية مؤسسات سليمة، وهي الهيئة المركزية المنتخبة من المؤتمر العام والمكتب السياسي والامين العام المنتخبين من الهيئة المركزية .
وفي سؤال من مقدم البرنامج للحبيب مصطفى آدم : من يمثل حزب الامة إذن .. بعد قرارات الفصل المتبادلة بين الرئيس والنواب.. أجاب الحبيب مصطفى آدم: أن المؤسسات والجماهير هي التي تمثل الحزب. وأن حزب الأمة حزب فدرالي عندو 18 رئيس حزب ولائي، أجتمع منهم 15 رئيس حزب في بورسودان وأقروا موقف قيادة الحزب الداعمة لمؤسسات الدولة .. ومجموعة القيادة التي عزلت اللواء م/ فضل الله اجتمعت مع 15 من رؤساء الحزب بالولايات,
ولأن حزب الامة حزب فدرالي لا يدار مركزيا، وبه مؤسسات ولائية في 18 ولاية. وأن هناك 15 من رؤساء الحزب الولائي وأقروا الموقف السليم للحزب.
لقد كانت إجابة الحبيب مصطفى آدم حول مؤسسية ومشروعية قرارات ومواقف مجموعة القيادات المتواجدة في بورتسودان بأنها مستندة على اجتماعها مع رؤساء الحزب بالولايات وعددهم 15 من مجموع 18 رئيس حزب بالولايات، والذين أيدوا موقف وقرارات مجموعة القيادات المتواجدة في بورسودان، وهو يلمح ضمنا بأغلبية كبيرة من رؤساء الحزب بالولايات، وكرر العدد 15 أكثر من مرة.
لقد كانت إجابة الحبيب مصطفى آدم غير موفقة في تأكيده لمؤسسية و لمشروعية قرارات مجموعة القيادات المتواجدة ببورسودان باستنادها على تأييد أغلبية رؤساء الحزب بالولايات، بل أن هذه الاجابة سحبت بساط المشروعية من تحت أقدام مجموعة بورسودان تماما، وأدت إلى تعرية قراراتهم ومواقفهم وكشفت بطلان استخدام رمزية رؤساء الحزب بالولايات في تحقيق أغراض سياسية لا يملك رؤساء الحزب بالولايات سلطات ولا صلاحيات لها. وذلك للاسباب التالية:
الفدرالية:
ذكر الحبيب مصطفى أن حزب الامة القومي حزب فدرالي!!. ومن هذا التوصيف فإن رؤساء الحزب في الولايات لهم صلاحيات فدرالية لأتخاذ قرارات على المستوى القومي.. وهذا التوصيف غير دقيق وغير سليم. فلم يرد في أي من دستوري الحزب المعدلين (2003) و (2009) بيان أن الحزب أصبح حزب فدرالي. والصحيح أن الحزب في المؤتمر العام السادس 2003، وأثناء مداولاته حول الدستور والهيكل، قرر لامركزية الحزب. كما ورد في البيان الختامي للمؤتمر:
تقرير وقرارات المؤتمر العام السادس 2003 ، في المحور الأول على النحو التالي:
(وقناعة باللامركزية وسيلة لإدارة البلاد وعملا علي تبنيها بتحقيق النقلة إلي حزب لا مركزي).
وفي فقرة تالية من البيان الختامي ورد : هذا وقد خرج المؤتمر بالقرارات الآتية:-
ثانيا: بالنسبة للهيكل:
أجاز المؤتمر العام مقترح الهيكل المقدم من لجنة الهيكل والدستور, و أمن علي ضرورة وانعكاس تحول الحزب إلي اللامركزية في هيكله للمرحلة القادمة
جدير بالذكر أن مقترح تحويل الحزب من حزب مركزي إلى حزب لامركزي، قدمته في ورقة معنونة ” مستقبل التنظيم في حزب الامة القومي” أمام ورشة إنعقدت في القاهرة عام 2000 بحضور ومشاركة رئيس الحزب الحقاني الامام الصادق عليه الرضوان. أجازت الورشة التوصية ورفعت إلى أجهزة الحزب الانتقالية وقتها، واعتمدتها لجنة الدستور والهيكل كمقترح قدمته إلى المؤتمر العام السادس 2003، الذي أقر هذا التغيير التاريخي لهيكل الحزب.
وفي دستور 2009، لم ترد كلمة حزب فدرالي في أي من مواده. وورد في المادة (2) من الفصل الاول:
الأجهزة اللامركزية “الإقليمية والولائية”: هي الأجهزة التي يتم تكوينها وفق المادة (28) من الدستور.
والمادة (28) من الدستور تحت الفصل التاسع، نصت على الهيكل الاقليمي والولائي، وعرفت الاجهزة اللامركزية الولائية، كالمؤتمر الولائي والهيئة الولائية والمكتب السياسي والمكتب التنفيذي للولاية
ومن أعلاه يتضح أن كلمة فدرالي لم ترد في أي من دستور 2003 أو دستور 2009، ومعلوم أن اللامركزية لا تعني فقط الفدرالية، لأن أللامركزية لها أشكال عديدة، لم يفصلها البيان الختامي للمؤتمر العام السادس 2003.
مؤسسية رؤساء الحزب بالولايات
لا توجد في الدستور لعام 2009 مادة تشير إلى مؤسسة بإسم رؤساء الحزب بالولايات، ولا يمكن أن تتم لقاءات واجتماعات وقرارات باسم مؤسسة أو مجموعة ليس لديها وجود مؤسسي أو دستوري. ورؤساء الحزب بالولايات ريما يكون هناك تواصل بينهم للتشاور فيما يتعلق بشئون ولاياتهم والقضايا المتشابهة. وحسب نص الدستور فإن جهة مرجعية الحزب في الولايات هي الامانة العامة، والتي من مهامها الاشراف السياسي والتنسيق بين الولايات.. وحتى عند اختيار مرشحي الحزب بالولاية ينبغي التشاور في اختارهم مع الامانة العامة.. أما اجتماع رئيس حزب بالولاية مع أحد نواب الرئيس أو غيره من القيادات ودون التنسيق مع الامانة العامة، إصدار قرار أو بيان من هذا الاجتماع، فإنه يعتبر تجاوزا لنص وروح الدستور سواء من جهة خطأ الممارسة المؤسسية أو من جهة تطبيقات اللامركزية التنظيمية.
اختصاصات وصلاحيات رئيس الحزب بالولاية وفق دستور 2009:
لا شك أن رئيس الحزب بالولاية، وخلال تجربة انتقال الحزب إلى اللامركزية، أصبح من أهم المناصب على مستوى الولايات، وأن دوره المفترض أن يكون رياديا في إحداث التحول المطلوب من المركزية إلى اللامركزية، وفي دعم المؤسسات الجديدة على مستوى الولايات. ولا شك أن رؤساء الحزب بالولايات، سواء الذين انتخبوا قبل المؤتمر العام السابع أو بعده، لم يتم اختيارهم بالتعيين المركزي،إنما ولأول مرة يتم اختيار رئيس الحزب بالولاية عبر الخيار الديمقراطي وعبر انتخابات محلية مباشرة من جماهير الحزب بالولاية عبر ممثليهم في المؤتمر العام الولائي.
ومع كامل الاحترام والتقدير لكل رؤساء الحزب بالولايات، والاعتراف بالدور المهم الذي يتولونه في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ الوطن والحزب . كان لا بد من أن نستجلي اختاصاصات صلاحيات رئيس الحزب بالولاية حسب نص الدستور، ومن منطلق دعم المؤسسية وتكريس تطبيق اللامركزية في اروقة الحزب.
وبمراجعة وثائق الدستور وجدت أن دستور 2009 لم ينص على أي اختصاصات أو صلاحيات لرئيس الحزب بالولاية، ولم تتعرض المادة (28) المعنية بالهيكل الولائي، لمنصب رئيس الحزب بالولاية إلا في كيفية إنتخابه عبر المؤتمر الولائي. إذ ورد في المادة (2.28) من مهام المؤتمر الولائي (أ) إنتخاب رئيس الحزب بالولاية.
وفي المادة (3.28) الهيئة المركزية الولائية :-.
تنتخب سكرتير الحزب بالولاية.
تنتخب المكتب السياسي لللولاية
مراقبة أداء الحزب في المحليات والوحدات الإدارية
وفي المادة (4.28) وضحت مهام واختصاصات السكرتير العام للولاية:-
” يقدم السكرتير العام مكتبه التنفيذي للمكتب السياسي الولائي لاعتماده وهو مساءل أمام المكتب السياسي الولائي ويتم تكوين المكتب التنفيذي بما يتناسب وخصوصية الولاية وبما يحقق أوسع قدر من المشاركة”
وهذا يعني أن رئيس الحزب بالولاية ليس لديه صلاحية مساءلة السكرتير العام للولاية.
وفي المادة (26) في الفصل الثامن: إختصاصات ومهام الامانة العامة، ورد النص الآتي:
– الإشراف السياسي على الاقاليم وتنسيق شئون الولايات
وهذا يعني أن النشاط السياسي للولاية يقع تحت إشراف الامانة العامة وتنسيقها لشئون الولايات.
خلاصة
مما رود أعلاه في دستوري الحزب (2003،و 2009) تبين أن حزب الامة حزب لامركزي وليس حزب فدرالي، وأن ما تم في تطبيقات اللامركزية هي لامركزية تنظيمية، غيرت في شكل الهيكل التنظيمي للحزب. وأن الحزب بالولاية لا يتمتع بلامركزية سياسية وأن رئيس الحزب بالولاية ليس لديه اختصاصات وصلاحيات دستورية ولائية منصوص عليها في الدستور ناهيك عن اختصاصات وصلاحيات على المستوى القومي.
إن إجتماع رؤساء الحزب بالولايات مع الرئيس المكلف أو نوابه، واتخاذ قرارات سياسية على المستوى القومي وإصدار بيانات سياسية باسم رؤساء الحزب بالولايات يعد مخالفة دستورية واضحة.، وتجاوز لصلاحيات الامانة العامة في الاشراف السياسي على الولايات.
إن استناد مجموعة القيادات المتواجدة في بورسودان على مشروعية صلاحية رؤساء الحزب بالولايات في اتخاذ قرارات سياسية على المستوى القومي، إستناد غير مهني بتوصيف الفدرالية لهيكل الحزب، وإستناد غير قانوني على اختصاص وصلاحية رؤساء الحزب بالولايات لم يتوفر لها سند دستوري.
ومع الإعتراف بوجود قصور في مواد دستور 2099، خاصة فيما يتعلق بتجربة تطبيق اللامركزية وبداية تكوين المؤسسات الولائية في كافة ولايات السودان، ولما لهذه التجربة من أثر بالغ على تطور نظام الحكم في السودان، وتحقيق مرحلة من التحديث السياسي المأمول. إلا أن كل ذلك لا يمنع من نقد الممارسة وكشف أخطائها وتصحيحها قدر المستطاع.
فقد دأبت بعض القيادات المتواجدة حاليا في بورسودان في استغلال منصب رئيس الحزب بالولاية لتحقيق أجندات خاصة بها، باصدار بيانات وقرارات مناقضة لمواقف وقرارات مؤسسات الحزب المركزية والدستورية، وهذه الاجراءات حفّزت مجموعات أخرى مناوئة غير معلنة في إصدار بيانات ضديه باسم الولاية، مما أضعف موقف الحزب وفتَّ من قدرته التاريخية في إمساك زمام المبادرة السياسية، واستمرأت هذه المجموعة استخدام وسائل الاعلام للتشويش على موجهات وقرارات الحزب، عبر اصدار بيانات وقرارات من مجموعة من رؤساء الحزب بالولايات. وهذا ما أعتبره الحبيب مصطفى آدم قرارات مؤسسية.
وفي رايي أن هذا اللقاء الصدفة، قد فتح بابا للنقاش والبحث في تجربة حزب الامة القومي في تطبيقات اللامركزية وبناء المؤسسات المحلية ومحاولة تطبيق معايير الحوكمة المحلية الرشيدة، ولعله من المناسب أن يجري الحبيب مصطفى ورفاقه من الحادبين حوارا مفتوحا شفافا، لتوضيح الحقائق ودعم مسيرة الحزب نحو التحديث والتنمية السياسية، ولا شك أن إعمال روح الحوار والنقاش الموضوعي والجاد، سيحقق إنجازا كبيرا وخطوة مهمة في رأب الصدع وتجاوز حدة الخلاف، إلى اصطفاف كلي وراء مبادئ وأهداف الحزب وتوجهاته المعلنة، وإلى إحترام الرأي والرأي الآخر… وسيجدني من المرحبين والمتعاونين دوما.
التعليقات