قال تعالى:(وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ). صدق الله العلي العظيم
في فجر الجمعة 27 ربيع أول 1447ه الموافق 19 سبتمبر 2025م في مسجد بمدينة الفاشر، فاضت أرواح طاهرة جاءت ملبية النداء لصلاة الفجر، نتيجة قصف غادر من قوات الدعم السريع التي تحاصر المدينة منذ شهرين، نسأل الله أن يتقبل الذين فاضت أرواحهم شهداء ويلهم أهلهم وذويهم ومحبيهم الصبر وحسن العزاء.
نكرر ماقلناه في اليوم الأول لاندلاع الحرب بالدعوة للسلام وحقن الدماء، ونقول:
أولا: النفس الإنسانية مصانة بنص الشرائع التي أنزلها الله وختمت بشريعة الإسلام التي يقول كتابها:(( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)).
ثانيا: الحرب في الإسلام مسببة، ولا يلجأ إليها إلا بعد استنفاد كل الوسائل السلمية، ويجب أن تعلنها سلطة شرعية بعد وضع كل الضمانات حتى لا تترتب عليها مفاسد أكثر مما هي موجودة، قال تعالى:(( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)).
ثالثا: الحرب المشروعة تحكمها أخلاق :عدم قتل المدنيين من الأطفال والشيوخ والنساء، وعدم الاعتداء على أماكن العبادة ومؤسسات الخدمات، وعدم الغدر والتمثيل بالموتى … إلخ وهنالك نصوص تبين ذلك وهو ما أكدته المواثيق والمعاهدات الدولية؛ قال تعالى :(( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)).
رابعا: في حروب الفتنة التي لا يدري القاتل فيها فيم قَتَلَ ولا المقتول فيم قُتِلَ، فإن كل محارب مسئول عن تصرفاته وأفعاله، قال تعالى:(( وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)).
خامسا: حرمة الإنسان عند الله أعظم من حرمة الكعبة المشرفة، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال:((رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَطوفُ بالكعبةِ وهوَ يقولُ ما أطيبَكِ وأطيبَ ريحَكِ ما أعظمَكِ وأعظمَ حرمَتكِ والذي نفسُ محمدٍ بيدِهِ لحُرمةُ المؤمنِ أعظمُ حُرمةً عِندَ اللهِ مِنكِ مالُهُ ودمُهُ وأنْ يُظنَّ بهِ إلَّا خَيْرًا)). رواه ابن ماجة.
سادسا: خلقنا الله سبحانه وتعالى لعمارة الأرض لا لخرابها، ولتزكية النفوس لا لتدسيتها، وللمحافظة على النفس الإنسانية لا لإزهاقها وانتهاك حرمتها، ولعمارة الكون لا لتدميره، هذه الحرب ارتُكبت فيها كل الموبقات التي عاشها الناس طيلة أمد الحرب، ولا زالوا يعيشونها في الفاشر وفي، المناطق التي تقع شمال بارا في جريجخ، وأم قرفة، وجبرة الشيخ، و، وأم سيالة، وأم دايوقة، والقرى المجاورة؛ عليه نطالب بإيقاف الحرب وإحلال السلام، وإنصاف المظلومين، ومعاقبة المعتدين، ومسح دموع المستضعفين، قال تعالى:(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)).
سابعا: لن يتغير الحال مالم يغير الناس بأنفسهم بنص الآية :(( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ))، ولعنة الله ستحل بكل من يعتدي، ومن يؤيده، ومن يقدر على منعه ولم يفعل، وكل من يسكت على جرمه، قال تعالى :(( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)). ومن يقتل نفسا بريئة فإنه في خطر عظيم، قال صلى الله عليه وسلم :((لا يَزَالُ العبدُ في فَسْحَةٍ من دِينِه ما لم يُصِبْ دَمًا حرامًا)). أخرجه البخاري.
اللهم ألطف بعبادك المستضعفين، وأحقن دماء أهل السودان أجمعين، وعليك بالظالمين المعتدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم تقبل من مضى شهيدا عندك، واشف الجرحى، وامسح دموع الثكالى والمستضعفين، فأنت القائل:(( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)).
اللهم إنا قد فوضنا أمرنا إليك فأحسن حالنا فيما يرضيك.

التعليقات