في خضم الحديث عن مأساة الحرب في السودان، تتركز الأنظار غالباً على الجانب الإنساني والمعاناة اليومية. لكن دعونا ترى الصورة بزاوية مختلفة، صورة مليئة بالفرص الواعدة التي تنتظر اللحظة المناسبة لتزدهر. بينما يرى الكثيرون الدمار، أرى أنا الأساس لإعادة إعمار هي الأضخم في تاريخ المنطقة.
ما يميز المشهد السوداني الآن ليس فقط حجم الدمار، بل طبيعته. المدن التي تضررت، مثل الخرطوم وأم درمان، لم تدمر بنيتها التحتية بالكامل كما قد يتصور البعض. بل هي في حالة أشبه بـ “إعادة هيكلة قسرية”. هذا يعني أننا لسنا أمام مهمة بناء من الصفر، بل أمام فرصة لإعادة بناء أفضل وأكثر حداثة.
الاستثمار ما بعد الحرب: ليس مجرد ترميم
الخطأ الذي يقع فيه الكثيرون هو ربط إعادة الإعمار بمجرد ترميم المباني المتضررة. الواقع أن هذه المرحلة تتخطى ذلك بكثير. هي فرصة لبناء مدن ذكية ومستدامة، تعتمد على تكنولوجيا حديثة وأنظمة طاقة متجددة. تخيلوا معي:
مدن سودانية خضراء يمكن أن تصبح المدن الجديدة نموذجاً للمدن الصديقة للبيئة، حيث يتم دمج المساحات الخضراء وأنظمة إدارة النفايات الحديثة.
منازل ذكية بأسعار معقولة تستخدم مواد بناء مبتكرة ومحلية يمكن أن تخفض التكلفة بشكل كبير، مما يتيح للشرائح المجتمعية المتوسطة والفقيرة امتلاك منازل حديثة ومجهزة بتكنولوجيا المستقبل.
بنية تحتية رقمية متكاملة بدلاً من إصلاح شبكات الإنترنت القديمة، يمكن إنشاء شبكة ألياف ضوئية قوية تغطي المدن، مما يسهل العمل عن بُعد ويجذب الشركات التكنولوجية.
فرص عقارية غير تقليدية
التركيز ينصب دائماً على العقارات السكنية والتجارية، لكن الفرص الحقيقية تكمن في قطاعات أخرى لم يلتفت إليها أحد:
- المساحات الزراعية والعقارات اللوجستية فالسودان يمتلك أراضي زراعية شاسعة. الاستثمار في المستودعات الذكية ومراكز التوزيع القريبة من المزارع يمكن أن يحول القطاع الزراعي إلى محرك اقتصادي ضخم.
العقارات السياحية البيئية فمناطق مثل جبال النوبة والبحر الأحمر والأهرامات لم تُستغل سياحياً بالشكل الأمثل. الاستثمار في منتجعات بيئية صغيرة يمكن أن يجذب سياحة متخصصة ويحقق عوائد عالية.
العقارات التعليمية والصحية فالطلب على المجمعات السكنية الخاصة بالطلاب والمستشفيات الحديثة والمدن التعليمية سيتزايد بشكل كبير. الاستثمار في هذه القطاعات يوفر عوائد ثابتة ومستدامة.
تحديات كبرى وحلول ممكنة
بالطبع، الطريق ليس مفروشاً بالورود. هناك تحديات كبيرة، أهمها التمويل والأمن. لكن الحلول موجودة:
- صناديق استثمار دولية يمكن أن يتم إنشاء صناديق استثمار متخصصة لإعادة إعمار السودان، مدعومة من جهات دولية وإقليمية، وتعمل بشراكات مع شركات عقارية محلية.
- التشريعات المحفزة فعلى الحكومة الآن أن تضع قوانين تشجع الاستثمار الأجنبي وتوفر الحماية للمستثمرين، مع تسهيل إجراءات تملك الأراضي.
- الشراكة بين القطاعين العام والخاص يجب إشراك شركات التطوير العقاري الخاصة في مشاريع البنية التحتية الكبرى، مما يخفف العبء عن الدولة ويسرع عملية البناء.
إن السودان يمر بمرحلة مفصلية. الأنقاض ليست نهاية المطاف، بل هي بداية. للمستثمرين الجريئين، السودان ليس مجرد سوق عقاري، بل هو مشروع بناء أمة. من يرى ما هو أبعد من الدمار، هو من سيحصد ثمار النهضة القادمة. فهل أنتم مستعدون لاقتناص هذه الفرصة؟
بقلم: مهندس محمد صلاح
الخبير العقاري في مجال إعادة الإعمار والبنا
التعليقات