المتابع عن كثب لتطورات المشهد في الخرطوم، يرى أن القرار الأخير لولاية الخرطوم ممثلاً في وزارة الثقافة والاعلام والسياحة بالإدارة العامة للسياحة والآثار بولاية الخرطوم بشن حملة صارمة على الشقق المفروشة غير المرخصة ليس مجرد خطوة إدارية، بل هو ضرورة قصوى تتطلبها المرحلة الحالية. هذا القرار، الذي يهدف إلى الإخلاء والإغلاق الفوري للمخالفين، يحمل في طياته أبعاداً أعمق تتجاوز مجرد تنظيم السوق لتلامس صميم الأمن والاستقرار.

من منظور تنظيمي: حماية للمستأجر والمستثمر

من الناحية العقارية البحتة، فإن هذا الإجراء يعد خطوة حاسمة لتصحيح مسار قطاع الإيجارات الذي عانى من الفوضى والغياب الكامل للرقابة. فالشقق غير المرخصة تضع المستأجرين في موقف بالغ الضعف، حيث يصبحون عرضة للاحتيال أو الإخلاء المفاجئ في أي لحظة، دون أي حماية قانونية. هذا القرار يضمن أن الشقة التي يستأجرها المواطن تستوفي الشروط القانونية وتخضع للرقابة، مما يوفر له الأمان والطمأنينة.
وعلى الجانب الآخر، فإن هذا التنظيم يحمي استثمارات الملاك الشرعيين، الذين يلتزمون بالقوانين ويدفعون الرسوم، من المنافسة غير العادلة مع من يعملون خارج نطاق القانون. إن توجيه السلطات لمكاتب العقارات بعدم التعامل مع هذه الشقق يرسخ مبدأ الشفافية ويساعد على بناء سوق عقاري أكثر موثوقية.

من منظور أمني: مواجهة التحديات في ظل الأوضاع الراهنة

ما يميز هذا القرار ويجعله حيوياً في هذه الفترة بالذات هو بعده الأمني. في ظل الأوضاع التي خلفتها الحرب في السودان، أصبحت الشقق غير الخاضعة للرقابة تشكل مهدداً أمنياً كبيراً. يمكن استغلال هذه الأماكن من قبل عناصر مشبوهة أو مجموعات مسلحة، مما يحولها إلى ملاذات آمنة أو أوكار لأنشطة إجرامية. كما أن غياب الرقابة يسهل عمليات الاتجار بالبشر واستغلال النازحين، فضلاً عن تحولها إلى أماكن لتخزين وتداول الأسلحة غير المشروعة.
لذلك، يصبح الترخيص ليس فقط لتنظيم العمل، بل هو أداة فعالة للمساءلة وتحديد الهوية. فمن خلال فرض الترخيص، يمكن للسلطات أن تملك قاعدة بيانات واضحة عن الملاك والمستأجرين، مما يعزز من قدرتها على المتابعة والتحقق ويحد من الأنشطة الإجرامية.

الرقمنة: مفتاح النجاح والتطبيق الفعال

التحدي الأكبر الذي قد يواجه هذا القرار هو البيروقراطية. إذا كانت إجراءات الترخيص معقدة، فقد تدفع بالملاك إلى التهرب من القانون، مما سيؤدي إلى ظهور سوق سوداء يصعب السيطرة عليها. وهنا يأتي دور الرقمنة كحل عملي وفعال. يمكن إنشاء منصة إلكترونية شاملة لتسهيل عملية الترخيص، مما يقلل من الأعباء الإدارية والمالية على الجميع، ويزيد من كفاءة تحصيل الإيرادات. كما توفر هذه المنصة الشفافية اللازمة للمستأجرين للتحقق من قانونية الشقق قبل التعاقد.

في الختام، أرى أن قرار ولاية الخرطوم خطوة حيوية لإعادة السيطرة على قطاع أصبح يشكل تهديداً محتملاً. إن نجاح هذا القرار يعتمد على مدى قدرة السلطات على تنفيذه بذكاء، مع التركيز على تسهيل الإجراءات وتوظيف التكنولوجيا لضمان تحقيق الأهداف الأمنية والاقتصادية المنشودة.

بقلم: المهندس محمد صلاح الخبير العقاري

التعليقات