بقلم ✏️ عمر دمبا

منذ أن وطئت قدماه أروقة وزارة البنى التحتية بولاية كسلا في فبراير الماضي، بدا واضحًا أن الباشمهندس عبدالقادر محمد زين لا يأتي بدور موظفٍ إداري، بل بروح صانع نهضة يقرأ احتياجات المكان كما يقرأ المهندس خرائطه الأولى. فقد انطلقت في الولاية حركة غير مألوفة، حركة تشبه إيقاع المدن حين تستيقظ بعد نوم طويل، طرق تُعبد، ومياه تُضخ، ومجاري تُفتح، وأحلام كانت مؤجلة بدأت تتخذ شكلها على الأرض بعد أن طلقت وزارة البنى التحتية بولاية كسلا العنان والطموح اللا محدود بمشروعات جادة لتغيير حاضر ومستقبل الولاية ومركز المدينة .

لم يكن الحراك مجرد نشاط يومي، بل تحول إلى مفهوم جديد لإدارة التنمية، رؤية واضحة وخطوات محسوبة، جعلت الحديث عن كسلا ينتقل من خانة التمني إلى خانة التخطيط والتنفيذ. فمن هنا جاءت سلسلة العقود الطموحة التي وقعت، وكأن الولاية تستعيد حقها الطبيعي في الحياة. سبعة كيلومترات من الطرق سفلتت داخل المدينة، لتتنفس كسلا شيئا من الانسياب المفقود، تلتها عقود إضافية مع شركات وطنية كزادنا لتنفيذ عشرة كيلومترات أخرى خلال الفترة المقبلة، ثم الشركة الثلاثية بثمانية كيلومترات في حلفا الجديدة، وشركة إيريا بمسارين جديدين في ود الحليو، وصولًا إلى طريق أم سفري – كسلا الترابي الذي يربط أطرافا كانت بعيدة عن المركز.

وقد بدا الربط بين قرى حلفا والمدينة خطوة تتجاوز البنية التحتية إلى ربط اجتماعي وإنساني، فهذه القرى التي كانت تنعزل كل خريف وجدت أخيرًا طريقًا لا ينقطع ووصلاً لا يخون مواسم المطر.

أما في قطاع المياه، فقد حملت الوزارة واحدًا من أثقل هموم الولاية، لتُنجز حفر وتشغيل 27 بئرًا دخلت الخدمة بالفعل وتم تزويدها بالطاقة الشمسية لضمان استمرار تشغيلها وعدم تأثرها بتذبذب التيار الكهربائي، وهو ما خفف ضغطًا ظل يتكرر كل عام. لكن الإنجاز الأكبر كان في تلك الدراسة التي تكاد تُشبه حلمًا جماعيًا؛ خط مياه كسلا من خزان مدينة خشم القربة إلى المدينة، بتكلفة ضخمة تبلغ 197 مليون دولار. مشروع لو اكتمل، فلن يغير شكل الخدمة فقط، بل سيعيد تشكيل حياة الريف الشرقي والغربي والمدينة معًا، فاتحًا الباب أمام نهاية معاناة طال أمدها.

وفي الخريف الأخير، ظهرت بصمة الوزارة وتنسيقها المحكم مع محلية كسلا أكثر وضوحاً في تطهير المصارف وفتح المجاري داخل مدينة كسلا، فانساب المطر دون أن يتحول إلى خصم على الناس، في مشهد لم تعهده المدينة منذ سنوات. ولم يكن هذا منفصلًا عن جهود حماية المدينة من فيضانات نهر القاش، ذلك النهر الذي يجري بمزاجه الخاص، ويحتاج إلى من يفهم لغته ويعيد ضبط حدوده.

هكذا، تبدو تجربة وزارة البنى التحتية بولاية كسلا في عهد الباشمهندس عبدالقادر محمد زين أكثر من مجرد مجموعة مشاريع، هي محاولة جادة لكتابة فصل جديد في تاريخ كسلا، فصل يضع أساسا صلبا لمدينة أنهكتها الظروف وتنتظر من يقودها بثبات نحو الغد.

التعليقات