متابعة : تارا نيوز
اعلن الحزب الشيوعى السوداني عن مبادرة لوقف الحرب واسترداد الثورة السودانية ،
واصدر الحزب بيان جاء فيه ؛
استعادة دور الحركة الجماهيرية ضرورة حتمية لإنهاء الحرب وفضح مصالح القوى المحلية والدولية الساعية إلى استمرارها بهدف تفكيك الدولة وإجهاض الثورة.
إلى جماهير شعبنا: تحت نيران طرفي الحرب، في مناطق النزوح وفي المهاجر، إلى لجان المقاومة، كافة القوى السياسية الوطنية، القوى المدنية، حركات الكفاح المسلح، الكيانات المهنية والمطلبية، وقوى ومنظمات التغيير الجذري.
تمهيد :-
أكدت تجارب شعبنا دائمًا أن تحقيق وحدته كان العامل الحاسم في نجاح ثورة ديسمبر المجيدة، كما كان كذلك في انتفاضة أبريل 1985، وأكتوبر 1964، ونيل الاستقلال في يناير 1956. ولم يكن خافيًا على وعي وفطنة شعبنا أن حرب 15 أبريل 2023، التي أشعلها جنرالات اللجنة الأمنية، ومن خلفهم الحركة الإسلامية وحلفاؤها، تهدف أساسًا إلى تصفية ثورته وعرقلة تحقيق غاياتها في الحرية والسلام والعدالة، بعد أن فشل انقلاب 25 أكتوبر 2021 في القضاء عليها.
لذلك، فإننا في الحزب الشيوعي السوداني، واستنادًا إلى تجارب شعبنا، نؤكد أن وقف الحرب واستعادة الثورة لا يمكن تحقيقهما إلا من خلال الحراك الجماهيري الواسع وتنظيم الجماهير في مناطق النزوح، سواء في الريف أو الحضر، وفي اللجوء بدول الجوار، وصولًا إلى وحدة جماهيرية قاعدية عميقة.
وعليه، نتوجه أولًا إلى جماهير شعبنا في أماكن نزوحها، سواء في المدارس، أو تحت الأشجار، أو في العراء، وفي جميع مواقع النزوح، داعين إياها إلى تنظيم صفوفها وفقًا لظروفها الموضوعية، وتحديد مطالبها وموقفها من الحرب وأطرافها، لتؤدي دورها كصاحبة المصلحة الحقيقية في وقف الحرب وتحقيق التغيير المنشود.
إن ذلك يتطلب من القوى السياسية، وسلطة الانتقال، وكافة قوى الثورة أن تتحلى بالشجاعة والصدق لتقديم نقد موضوعي يعكس حجم القصور والأخطاء التي أدت إلى هيمنة اللجنة الأمنية وقوات الدعم السريع على المشهد السياسي، ومن خلفهم الحركة الإسلامية، حتى اندلعت هذه الحرب بكل تداعياتها الكارثية (من قتل وتعذيب واغتصاب ونزوح ولجوء، وغير ذلك).
التصدي لمنع انزلاق البلاد نحو الحرب الأهلية يتطلب من جماهير شعبنا وقواه الحية الامتناع عن الانحياز لأي طرف من أطراف النزاع، ووقف المشاركة في الحرب، وتجنب الانجرار وراء النعرات العنصرية والجهوية التي تهدد وحدة الشعب وتماسكه.
إن الوضع الكارثي الذي يعاني منه شعبنا نتيجة الحرب وتداعياتها دفع بعض القوى السياسية والوطنية إلى التعويل على الحلول الخارجية، مستندةً إلى مبادرات المجتمع الدولي والإقليمي، مثل مبادرة جدة، الإيقاد، الاتحاد الإفريقي، دول الجوار، المنامة، القاهرة، جنيف، الأمم المتحدة، الجامعة العربية والإسلامية، وآخرها جلسة مجلس الأمن في نوفمبر 2024. كما تجلّى هذا التعويل في اجتماعات القوى السياسية بالعواصم المختلفة، مثل أديس أبابا، القاهرة، سويسرا، نيروبي، وغيرها، في محاولة للبحث عن حلول خارجية للأزمة. ولكن هذا النهج يُعطل البحث عن حلول وطنية جذرية تحقق تطلعات شعبنا في السلام والعدالة.
لا شك أن التعويل على حل هذه الحرب الكارثية عبر مبادرات المجتمع الدولي وحدها يضر بعملية النهوض الجماهيري لوقف الحرب. فالتاريخ أثبت، سواء في تجارب شعبنا أو شعوب العالم، أن العمل بين الجماهير واستنهاض حراكها هو السبيل الأنجع لتحقيق الغايات؛ من الثورة المهدية، مرورًا بمؤتمر الخريجين ومعركة الاستقلال، ومناهضة الأنظمة الديكتاتورية، وصولًا إلى ثورة ديسمبر المجيدة، كانت الحركة الجماهيرية هي العامل الحاسم.
إن هذه الحرب يكتوي بنارها شعبنا وحده، ويدفع ثمنها الباهظ، وهو المستفيد الأول من وقفها، لأنها حرب عليه، وعلى موارده، وثرواته، وثورته.
ورغم ذلك، ندرك أن مشاعر الإنسانية السوية والضمير العالمي الحي يقف دائمًا ضد الحروب، وندرك أيضًا أهمية دور المنظمات الأممية والإقليمية في الضغط على أطراف الحرب لإيقافها، حتى مع اختلال توازن القوى بين الشمال والجنوب. ولكن هذا الدور يجب أن يكون داعمًا ومكملًا للعمل الجماهيري في الداخل، وليس بديلًا له، لأن الحل الجذري يبدأ وينتهي بإرادة الشعب وتنظيمه وحراكه.
كان ومازال نهجنا نقد كل الأخطاء أمام شعبنا دون مواربة وهذا ما ننتظره من كل القوي السياسية والوطنية التي اصطف شعبنا خلفها إبان الثورة. ويستمد هذا المنهج موضوعيته من العزم على خلق القادم الاكثر عمقا وليس لأعمال التشفي والخنوع. وحتي نعمل سويا لوقف هذه الحرب واستعادة الثورة برافعة الشعب وسطوته، وفق أهداف ووسائل واضحة ومحددة.
- الطريق إلى استعادة وتحقيق أهداف ثورة ديسمبر 2018؛
إننا في الحزب الشيوعي السوداني نستند في هذه المبادرة إلى ما تم الاتفاق عليه عبر مسارات الثورة السودانية. ولذلك، نرى أن هنالك أهمية وضرورة لتقويم ونقد التجربة، استنادًا إلى أهداف ثورة ديسمبر 2018، كما وردت في إعلان الأول من يناير 2019، والتي تمثلت في:- - التأسيس لدولة مدنية ديمقراطية قوامها المواطنة والمساواة بين السودانيين أفرادًا ومجتمعات، واحترام التنوع الذي يميز مجتمعات السودان، ووضع أسس وقواعد السلام المستدام، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
- الحد من نهب موارد السودان وثرواته للخارج، وتوظيفها لمصلحة الشعب، بما يساهم في الارتقاء بمستوى حياته وتعزيز الاستقلال السياسي من خلال تحقيق استقلال اقتصادي يُحرر السودان من التبعية للخارج. كما يهدف ذلك إلى تحقيق ديمقراطية مجتمعية تُتيح للشعب، في المركز والأقاليم وفي مواقع الإنتاج، المشاركة في صنع القرار ومتابعة تنفيذه عبر منظمات ومؤسسات شعبية مستقلة وديمقراطية أبدعتها الجماهير وتستمر في ابتكارها أثناء المسيرة النضالية.
- مفارقة مسار الأزمة العامة التي تراكمت خلال سنوات الحكم الوطني، والتي تجلت بشكل أساسي في عدم الاستقرار السياسي، حيث سيطرت الانقلابات العسكرية على فترات الحكم المدني الديمقراطي. وقد سادت فيها الدائرة الشريرة، وتمددت الحروب الداخلية، واتسمت البلاد بالتبعية للخارج والدوران في فلك النظام الرأسمالي العالمي.
- إزالة المظالم التنموية، بشقيها المادي والبشري، وتحقيق تنمية متوازنة قطاعيًا وجغرافيًا تتكامل لبناء قاعدة إنتاجية متقدمة زراعية صناعية حديثة تنهض بعموم الوطن. يتطلب ذلك اتباع نهج اقتصادي يعتمد على الذات، يحقق اكتفاء الشعب من الغذاء، حيث تتولى الدولة إدارة وتملك القطاعات الاستراتيجية، كما ورد في ميثاق ثورة ديسمبر. يأتي هذا النهج كبديل لسياسات الليبرالية الجديدة وآليات السوق الحر التي كرست نهب الموارد المادية والبشرية، والتي عانى شعبنا من آثارها منذ فرضت في أواخر السبعينيات تحت إملاءات البنك وصندوق النقد الدوليين. هذه السياسات عمقت التخلف والفقر والمرض، واستمرت في استغلال البلاد عبر علاقات غير متكافئة بين الدائن والمدين، مع فتح الحدود لحركة رأس المال والأرباح والسلع دون ضوابط. نتيجة لذلك، تمكنت الإمبريالية من نهب موارد وثروات البلاد، إضافة إلى هيمنة كبار المسؤولين في المؤسستين الدوليتين (البنك وصندوق النقد) على القرارات المصيرية للوطن، حيث يرسمون حاضره ومستقبله بعيدًا عن مصالح الشعب، مقتصرين دور المؤسسات التمثيلية للشعب (كالبرلمانات) على التصديق وإجازة ما أملي عليهم. وقد أدت هذه السياسات إلى غياب المساواة بين المواطنين تحت سياسات السوق الحر، وانسحاب الدولة من دورها الإنتاجي والخدمي، خاصة في القطاعات الأساسية مثل التعليم والصحة لصالح القطاع الخاص المحلي والأجنبي، وفقدان الدولة السيطرة على الأسعار في الأسواق، والتفاوت الكبير في الدخول بين الأغنياء والفقراء، مع سلعنة الخدمات، مما جعلها متاحة فقط للقادرين على تحمل تكاليفها. إصلاح هذا الوضع يتطلب العودة إلى سياسات تنموية قائمة على العدالة والمساواة، مع دور ريادي للدولة في تحقيق الإنتاج وتوفير الخدمات الأساسية لصالح المجتمع بأسره.!
- اتباع علاقات خارجية تحفظ سيادة وكرامة الوطن، ترتكز على الندية وتبادل المنافع مع الدول والشعوب، وترفض أي تدخل في الشؤون الداخلية للبلاد. يشمل ذلك الابتعاد عن المحاور العسكرية، ومنع إقامة أي قواعد عسكرية أجنبية على أرض السودان. كما يتطلب العمل على تصفية وإلغاء كافة الوعود والمعاهدات والاتفاقيات التي أُبرمت مع نظام الإنقاذ المدحور، أو خلال الفترة الانتقالية، أو أثناء الحرب، والتي تتعلق بإنشاء قواعد عسكرية أو مراكز استخبارات أجنبية. إن هذه الاتفاقيات تجعل من أرض السودان ساحة لصراعات بين الدول المتنافسة على النفوذ وموارد المنطقة والإقليم، وهو ما يجب التصدي له حفاظًا على أمن الوطن واستقلاله..
- إجراء الإصلاحات الضرورية للخلاص من التمكين الحزبي والتشوهات التي طالت القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى خلال فترة حكم الإنقاذ الشمولي المدحور وما تلاها من حكومات. تلك التشوهات حولت هذه المؤسسات إلى مؤسسات عقائدية أيديولوجية ذات ولاء للحركة الإسلامية، أو خليط من قوات نظامية وأخرى ذات ولاء إثني أو جهوي. يجب العودة إلى جيش قومي واحد يتمتع بالكفاءة المهنية، ويستند إلى عقيدة قتالية تهدف إلى حماية الشعب والأرض، مع امتثاله التام للعمل تحت إشراف الحكومات المدنية، بعيدًا عن ممارسة أي دور سياسي أو اقتصادي، باعتباره أحد أجهزة الخدمة العامة في الدولة.
- حل جميع الجيوش الموازية للقوات المسلحة، بما في ذلك قوات الدعم السريع وبقية الميليشيات التي أنشأها نظام الإنقاذ خلال فترة حكمه للسودان. كما يتطلب ذلك تسريح الحركات المسلحة وفق الترتيبات المتعارف عليها دوليًا (DDR).
- استعادة قوات الشرطة لدورها المدني، بحيث يقتصر على حفظ الأمن وحماية أرواح وممتلكات المواطنين والدولة، بالإضافة إلى الحفاظ على القطيع البري والغابات، مع إعادة تنظيم شرطة ومصلحة السجون لتؤدي مهامها بكفاءة وفعالية. إعادة بناء جهاز الأمن بحيث تقتصر مهامه على جمع المعلومات وتحليلها وتقديمها للجهات المختصة المسؤولة، بما يتفق مع مبدأ سيادة حكم القانون، مع ضمان حماية الحقوق والحريات، ومنع الجهاز من القيام بأي مهام تنفيذية.
- تهيئة الأجواء لعقد المؤتمر الدستوري القومي المتفق عليه من قوى الثورة والمنصوص عليه في ميثاق الثورة، وعقده في نهاية الفترة الانتقالية؛ ليتوافق فيه أهل السودان، من مختلف انتماءاتهم الفكرية والسياسية والمجتمعية، في أرجاء الوطن كافة دون استثناء، لتحديد كيف يُحكم السودان، بثقافاته المتعددة واختلاف جهاته وأعراقه، ويضع السمات العامة للدستور، ومتى وكيف تُجرى الانتخابات العامة، لتنتهي الفترة الانتقالية للثورة بترسيخ مبدأ التداول السلمي الديمقراطي للسلطة، ونخطو نحو إنهاء أسباب الحروب وضمان استدامة الديمقراطية والسلام.
- إخفاقات الفترة الانتقالية لثورة ديسمبر:-
- تظهر الحقيقة متباينة بين الطبقات والشرائح الاجتماعية في المجتمع، إذ تبدو مرتبطة بتطلعات وطموحات القوى الاجتماعية والأفراد المكونين لذلك المجتمع، مما يخلق خلافًا في النظرة للحياة ومصلحة الوطن. لهذا السبب، توافقت قوى ثورة ديسمبر 2018، المكونة من قوى مختلفة فكريًا وسياسيًا وحزبيًا، على برنامج حد أدنى لإدارة الفترة الانتقالية وتنفيذها. وقد وضعت ما توافقت عليه في ميثاق وإعلان سياسي، ووقعت عليهما في بدايات الثورة بتاريخ الأول من يناير 2019. كما أعدت سياسات بديلة لاتباعها خلال فترة الانتقال. ومع ذلك…
- أخفقت حكومات الانتقال، بتركيباتها المختلفة من تكنوقراط ومحاصصات حزبية لقوى الحرية والتغيير وملحقات قوى اتفاقية جوبا للسلام، في تحقيق شعارات الثورة المعبرة عن أهدافها، والمتمثلة في “حرية، سلام، وعدالة” و”الثورة خيار الشعب”. فقد تخلت هذه الحكومات عن تحقيق تلك الأهداف، وانتهجت طريقًا مغايرًا لها، مما أعاد البلاد إلى طريق الأزمة العامة، وأسهم في تفاقم معاناة الشعب في حياته اليومية ووضعه المعيشي.
- إلى جانب تقاعس الحكومات عن التوجه نحو التحول الديمقراطي، أهملت ترسيخ مبدأه الأساسي المتمثل في الفصل بين السلطات، كما التفت على مطلب الثورة الداعي إلى تفكيك وتصفية نظام الإنقاذ المدحور، واكتفت بإجراءات سطحية لم ترقَ إلى تفكيك الدولة العميقة للنظام. بالإضافة إلى ذلك، أوقفت تكوين المؤسسة التشريعية التي كان منوطًا بها التشريع ومراقبة أداء الحكومة، بل وحلها عند الضرورة.
- ظهرت بوادر الأزمة العامة مجددًا من خلال عدم الاستقرار السياسي وصعود حركة الجماهير لحماية الثورة، الأمر الذي قابله قمع مفرط وانتهاكات جسيمة بحق الثوار من قبل أجهزة الأمن، تحت سمع وبصر الشركاء المدنيين دون أن يحركوا ساكنًا لحماية الثوار أو صون الحقوق والحريات. وفي هذا السياق، لجأت قوى الردة المتمثلة في عسكريي مجلس السيادة (اللجنة الأمنية العليا لنظام الإنقاذ المدحور) إلى تنفيذ الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر 2021، مواصلةً سياسة القمع المفرط، وإطلاق الرصاص على الشعب المتصدي للانقلاب، والرافض لاتفاقية البرهان وحمدوك التي قضت بالعودة إلى شراكة الدم.
- غلبت التناقضات الثانوية بين قيادتي القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، مما أدى إلى اندلاع حرب 15 إبريل 2023 كصراع على السلطة يخدم مصالح الحلفاء الخارجيين المتنافسين على بسط نفوذهم على السودان والسيطرة على موارده. ورغم تنافسهم، فقد اتفق هؤلاء الحلفاء على حسم التناقض الأساسي بالإجهاز على ثورة ديسمبر وتحويل البلاد إلى ساحة حرب للنيل من أهدافها الرامية إلى إحداث تغييرات جذرية في بنية السلطة والثروة. كان الهدف من ذلك تمكين العودة إلى مشروع ما قبل الثورة (الهبوط الناعم) دون مقاومة تُذكر على الأرض، من خلال سياسة “السلام مقابل التبعية” وتسيد اللجنة الأمنية، بالإضافة إلى تشتيت قوى الثورة وفك لحمتها لفرض واقع جديد في السودان. يتم ذلك تنفيذًا لمخططات قوى دولية وإقليمية متنافسة تسعى إلى مد نفوذها وفرض وصايتها على البلاد ونهب مواردها وثرواتها، مستغلة الموقع الاستراتيجي للسودان في قلب أفريقيا، ومجاورته للقرن الأفريقي، وموقعه على البحر الأحمر. تهدف هذه القوى إلى استخدام السودان كقاعدة للهيمنة على أفريقيا، والسيطرة على الممر التجاري الدولي الهام، البحر الأحمر، ودفع السودان نحو الانخراط في مظلة النظام العالمي الجديد. كما تسعى هذه القوى إلى منع السودان من اتباع سياسات اقتصادية تعتمد على الذات، تحقق له الاكتفاء الذاتي من الغذاء، وتُمكنه من امتلاك قراره الوطني. وقد ساعد في تنفيذ هذا المخطط انتهاج حكومات الثورة سياسات الليبرالية الجديدة التي أضعفت فرص التحرر الاقتصادي والتنمية المستقلة.
- فشل المبادرات الدولية والاقليمية :-
- فشلت المبادرات الدولية والإقليمية في وقف الحرب التي شارفت على إكمال عامها الثاني، وأخفقت في محاصرة تداعياتها الكارثية على الشعب والوطن، بل حتى في فرض هدن لفتح مسارات آمنة لإيصال الإغاثات الإنسانية الشحيحة أصلاً إلى المتضررين في مناطق العمليات، ومعسكرات النزوح، ومراكز اللجوء بسبب الحرب وويلاتها. (تقارير وكالة غوث اللاجئين تشير إلى توفير 12٪ فقط من الاحتياجات المطلوبة) وقد نتج هذا الفشل عن :-
- عدم جدية المبادرات الدولية والإقليمية يرجع إلى افتقارها لأسس وقواعد ملزمة تجبر طرفي الحرب على إيقافها وإعادة السلام. اكتفى المبادرون بإصدار بيانات عن تداعيات الحرب على المواطنين، تتضمن الشجب والإدانة وإبداء القلق، مع التلويح بالعقوبات عند الضرورة. ومع ذلك، لم تُترجم هذه المواقف إلى أفعال ملموسة. استطالة الحرب في السودان تعود إلى صراعات دولية وإقليمية تتنافس على موارده، مما أدى إلى تنافر وتباين مواقف هذه القوى بشأن قضية السودان وطرفي الحرب. جعل هذا التباين المبادرات غير فعالة، حيث طغت مصالح الدول والأطراف المبادِرة على أي اعتبار آخر. بل يُلاحظ أن المصالح المتضاربة والتنافر ليست فقط بين المبادرات المختلفة، بل داخل المبادرة الواحدة نفسها، حيث يسعى كل طرف إلى توسيع نفوذه في السودان وجني النصيب الأكبر من موارده وثرواته، مع إقصاء الأطراف الأخرى المشاركة في نفس المبادرة.
- وبالرغم من إبداء الجميع حرصهم الظاهري على وقف الحرب، فإن لكل طرف يدًا خفية يمد بها إلى أحد طرفي الحرب (حليفه الداخلي)، بالسلاح والعتاد والمساعدات اللوجستية، بهدف تغيير توازن القوى في الحرب لصالح حليفه. يأتي ذلك حرصًا على تحقيق مطامعه في السودان عند وقف الحرب، والتوصل إلى اتفاق لتقسيم السلطة والثروة والنفوذ.
- أكدت مجريات الأحداث أن الحرب الدائرة في السودان ليست حربًا داخلية محضة بين الطرفين المتحاربين، بل لها أبعاد دولية وإقليمية يتصارع أطرافها على أرض السودان. ومن الواضح أن هذه الصراعات الخارجية تتجلى في صراع داخلي بين قوى محلية تحارب بالوكالة، موالية لهذا الطرف أو ذاك من القوى الخارجية، دون اكتراث بما يحيق بالشعب من مخاطر، أو بما يتعرض له الوطن من تدمير وانتهاك للسيادة، ومن تجزئة وتقسيم يخدم مطامع القوى الدولية والإقليمية. ويأتي ذلك استكمالًا لمخطط تقوده الولايات المتحدة في المنطقة، يهدف إلى إعادة ترسيم حدود دولها بما يخدم المصالح الإمبريالية، مستخدمة في ذلك نظرية “الفوضى الخلاقة” كأداة لتنفيذ هذه الأجندات.
- برهن التاريخ، ونشأة أمريكا نفسها، أن المنظومة الرأسمالية لا يحد من تحقيق مطامعها وازع إنساني أو أخلاقي، ولا يصدها قانون أو حق دولي. إزاء هذا، لا بد من وحدة إرادة كل القوى المؤمنة بالتغيير وتنظيم صفوفها لهزيمة المخطط الإجرامي على السودان، للحفاظ على وحدته وسيادته وموارده وأراضيه وسواحله.
- توصلت قطاعات واسعة من شعب السودان، صانعة ثورة ديسمبر 2018، إلى أن لا سبيل لإيقاف الحرب ومحاصرة تداعياتها إلا بالاعتماد على الذات في المقام الأول، مع اعتبار الدور الخارجي عاملًا مساعدًا. يتطلب ذلك توحيد وتنظيم قوى الثورة السودانية داخل الوطن وخارجه، والعمل على إعادة رص صفوفها للنضال السلمي الموحد، بهدف وقف الحرب ومحاصرة تداعياتها على الشعب والوطن، وفرض السلام، وهزيمة التآمر الأجنبي على السودان. كما يستدعي ذلك استعادة مسار الثورة وأهدافها للخلاص من التبعية للخارج ومن التخلف والفقر والاحتراب.
- تكوين جبهة جماهيرية قاعدية عريضة لوقف الحرب:
- لا شك أن العامل الأساسي لتكوين جبهة جماهيرية قاعدية عريضة من القوى الاجتماعية صاحبة المصلحة في الثورة ومضامينها التحررية يكمن في إعادة التنسيق بين الأحزاب الوطنية والديمقراطية المؤمنة بقدرات شعبنا وبالنضال السلمي الديمقراطي، جنبًا إلى جنب مع المنظمات المجتمعية والحركات المسلحة، وتوحيد جهودها من أجل:-
- النضال المشترك وسط الجماهير لتنظيمها ورص الصفوف لإجبار طرفي الحرب وحلفائهم الخارجيين على وقف الحرب، واسترداد الثورة بمضامينها التي تتجاوز مسار الأزمة العامة.
- هزيمة التآمر والمخطط الإجرامي الخارجي الهادف إلى فرض الوصاية على الوطن ونهب موارده وثرواته تحت مظلة الليبرالية الجديدة. يأتي ذلك في مواجهة ما يبثه المتآمرون من سموم عبر نشر خطاب الكراهية ورفض الآخر، بهدف إثارة النعرات القبلية والجهوية لتفكيك لحمة مجتمعات السودان، وخلق اضطرابات إثنية وجهوية وثقافية. يهدف هذا المخطط إلى إضعاف المقاومة وطمس طبيعة الصراع الاجتماعي، مما يسهل تمرير مشروع تجزئة السودان وتقسيمه إلى دويلات خاضعة للنظام العالمي الجديد.
- إعادة التنسيق والعمل المشترك الجاد لاسترداد خيار الثورة يستوجب أن تمارس الأطراف، وكل طرف على حدة، من القوى الراغبة في وحدة النضال مراجعة مواقفها السابقة حيال الثورة، سواء أثناء انفجارها أو بعد نجاحها خلال الفترة الانتقالية. ينبغي أن يشمل ذلك تقييمًا وتقويمًا للأداء في الفترة السابقة، مع مواجهة صادقة للذات وتبصير الشعب بما جرى في الفترة الماضية من أخطاء أعادت البلاد إلى مسار الأزمة العامة وما ترتب عليها من كوارث على الشعب والوطن. ولا يُستثنى من ذلك حزبنا وحلفاؤه.
- تسهم المراجعة وتقييم الأداء وممارسة النقد والنقد الذاتي في إعادة ثقة الجماهير بقدرتها على استرداد الثورة وتصحيح مسارها. وعند تحقيق الانتصار، يتجه ذلك نحو تحقيق أهداف الثورة المتمثلة في التحول الديمقراطي المجتمعي، وبسط الحريات العامة، وإرساء سلام مستدام، وعدالة اجتماعية، ومساواة في المواطنة، وهي الأهداف التي طالما تاق الشعب السوداني إلى تحقيقها منذ ثورة أكتوبر 1964، وانتفاضة أبريل 1985. وقد أكد الشعب بإصرار عنيد عزمه على مواصلة النضال، متوجًا ذلك بتفجير ثورة ديسمبر التي عمت البلاد حضرًا وريفًا وبادية، معبرة عن رغبة عموم الشعب بمختلف انتماءاتهم السياسية والاجتماعية وألوانهم وأعراقهم وتباين لغاتهم وثقافاتهم، تحت شعار موحد: حرية، سلام، وعدالة، والثورة خيار الشعب.
- أهداف ودوافع تقديم هذه المبادرة؛
تهدف هذه المبادرة إلى تكوين تجمع يضم الأحزاب الوطنية والديمقراطية المؤمنة بالنضال السلمي الديمقراطي، والمنظمات الجماهيرية، والحركات المسلحة، للعمل والنضال المشترك مع الجماهير، دون التخلي عن النشاط المستقل. كما تهدف إلى التنسيق مع لجان المقاومة (الميثاق الثوري) وجبهة النقابات لوقف الحرب، وهزيمة المخطط الأجنبي، واسترداد الثورة وتحقيق أهدافها التي يتطلع إليها شعبنا باختياره الثورة طريقًا لتحقيق تطلعاته، وذلك عبر الخطوات التالية:- - العودة إلى مواثيق الثورة والإعلان السياسي الموقع في فجر اندلاع ثورة ديسمبر بتاريخ الأول من يناير 2019، كأساس لتأسيس دولة مدنية ديمقراطية تقوم على مبدأ المواطنة المتساوية، والعمل على بناء سودان يسع الجميع.
- الاستناد إلى ما هو مشترك في مواثيق قوى الثورة الحية خلال نضالها ضد الانقلابيين وصناع الحرب وحلفائهم، وذلك لسد الثغرات وإثراء مواثيق ثورة ديسمبر 2018، مثل الميثاق الثوري لسلطة الشعب للجان المقاومة، والإعلان السياسي لجبهة النقابات، وميثاق العمل لقوى التغيير الجذري.
- تضمين المستجدات المتعلقة بمطلوبات الساحة السودانية، بما يشمل معالجة تداعيات الحرب، وإعادة الإعمار، وجبر الضرر، وصيانة وحدة السودان.
- العمل مع الجماهير ومن خلال النضال المشترك لتكوين جبهة جماهيرية قاعدية عريضة تضم القوى الاجتماعية صاحبة المصلحة في الثورة وتحقيق مضامينها الديمقراطية. يهدف هذا التنظيم إلى استعادة السودانيين لقدراتهم ومراكمة نضالهم داخل الوطن وخارجه في دول المهجر، لفرض وقف الحرب وإجبار طرفيها وحلفائهم الخارجيين على الامتثال لإرادة الشعب. كما يهدف إلى استقطاب تضامن الشعوب للضغط على حكوماتهم للإسهام بفعالية في الضغط على طرفي الحرب لوقف الانتهاكات ضد المواطنين العزل وإنهاء الحرب.
- التمسك بمبدأ عدم الإفلات من العقاب، والإصرار على تحقيق العدالة من خلال إجراء التحقيقات اللازمة حول انقلاب 25 أكتوبر 2021 وما تبعه من جرائم، وكذلك حول إشعال الحرب في 15 أبريل 2023 وتداعياتها على الوطن والشعب، والتي تشمل جرائم ترقى إلى الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. يتطلب ذلك تقديم كل من ثبت ضلوعه في هذه الجرائم إلى العدالة، سواء على المستوى المحلي أو الدولي، مع تسليم المطلوبين إلى المحكمة الجنائية الدولية.
- تأسيس مؤسسات الدولة على قواعد الديمقراطية، مع الالتزام التام بمبدأ سيادة حكم القانون، وبمبادئ حقوق الإنسان كما وردت في المواثيق الدولية والإقليمية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، دون أي حياد عنها تحت أي ظرف من الظروف.
- العمل الجاد، فور استرداد الثورة، على تفكيك وتصفية نظام الإنقاذ المدحور؛ سياسيًا وقانونيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا وأمنيًا، وفك ارتباطه بأجهزة الدولة والتخلص من الدولة العميقة. يشمل ذلك مكافحة النشاط الطفيلي في الاقتصاد والتجارة، ومحاربة الفساد بجميع أشكاله، واستعادة الأموال والثروات المنهوبة.
- خطوات للعمل المشترك :-
- الإسهام الفاعل، سواء بشكل منفرد أو بالتنسيق مع الشركاء في هذه المبادرة، في تكوين الجبهة الجماهيرية العريضة للنضال المشترك لوقف الحرب واسترداد الثورة.
- في غضون النضال وأثناء مساره، يتم التوافق على تكوين المجلس التشريعي وتعيين أعضائه وفق المعايير الواردة في الميثاق والإعلانيين السياسي والدستوري المتوافق عليهما من قوى الثورة. تكون مهام المجلس تشريعية ورقابية، مع منحه الحق في سحب الثقة من الحكومة الانتقالية وتعيين حكومة أخرى في حال انحرافها عن ما تم التوافق عليه، وذلك بنسبة محددة من الأعضاء يتم الاتفاق عليها في الإعلان الدستوري للثورة.
- التمسك بمبدأ التمييز الإيجابي للنساء، وضمان مشاركتهن في جميع مؤسسات سلطة الفترة الانتقالية.
- مهام المجلس التشريعي بعد إيقاف الحرب :-
- استلام السلطة واعلان دولة السودان جمهورية برلمانية.
- اختيار وتعيين أعضاء مجلس السيادة كرمز للدولة دون سلطات أو مهام تنفيذية، مع اعتماد نظام رئاسة دورية بين الأعضاء المختارين.
- اختيار وتعيين رئيس مجلس الوزراء والوزراء من شخصيات ذات خبرة وكفاءة في العمل السياسي والإداري، بعيدًا عن أي شكل من أشكال المحاصصات الحزبية أو الجهوية. يعمل مجلس الوزراء بقيادة رئيسه بشكل تضامني.
- اختيار وتعيين مجلس القضاء العالي، على أن ينتخب المجلس بدوره رئيسًا له من بين أعضائه.
- اختيار وتعيين مجلس النيابة العامة، على أن ينتخب المجلس بدوره النائب العام من بين أعضائه.
- تكوين المفوضيات القومية الواردة في ميثاق الثورة المتفق عليه، مع تحديد مهام كل مفوضية، واعتماد ميزانيتها، وتعيين رئيسها وأعضائها.
- تتبع المفوضيات المعينة لمجلس الوزراء ويشرف علي ادائها.
مفوضية خاصة بالمؤتمر الدستوري القومي والسلام - تتضمن المفوضيات مفوضية خاصة بالمؤتمر الدستوري القومي والسلام.
- تمارس المفوضية مهامها في وقت مبكر من الفترة الانتقالية، بهدف تهيئة الأجواء لعقد مؤتمر ناجح تتسم مداولاته بالديمقراطية، وتتوفر فيه الثقة بين المشاركين. تسعى المفوضية لتحقيق المصلحة العامة، وتوجيه الجميع نحو المستقبل، من خلال معالجة مسألة القوميات في إطار الحل الشامل للأزمة، دون إضاعة الحقوق المستحقة لأي مجموعة إثنية أو جهوية.
- تبدأ المفوضية بإجراء النقاشات والحوارات الجماهيرية، والعمل على تحقيق المصالحات القبلية وجبر الضرر. كما تعقد الورش والندوات والمنتديات للحوار المفتوح ومناقشة القضايا التي سيتم طرحها والإجابة عليها في المؤتمر الدستوري القومي. يتم توظيف كافة وسائل الإعلام والاتصالات الجماهيرية لتحقيق هذا الهدف.
- بنهاية المؤتمر الدستوري القومي، يكون أهل السودان قد توافقوا على كيفية حكم البلاد، وتوظيف الموارد لمصلحة الشعب، ووضع الملامح لدستور يكرس مبدأ التداول السلمي الديمقراطي للسلطة، ويضمن استدامة السلام في ربوع الوطن.
- بإجازة الدستور من الشعب، يكون قد أمسك بزمام أمره، وصار صانعًا للقرار، وراسِمًا لحاضره ومستقبله.
النصر للشعب والمجد الوطن
وعاش كفاح الشعب السوداني.
المكتب السياسي الحزب الشيوعي السوداني
ديسمبر 2024م.
التعليقات