يمر السودان بمرحلة حرجة. لقد شردت الحرب التي اجتاحت أمتنا الملايين، ودمرت مؤسساتنا، وتركت شعبنا في حالة من المعاناة لا تُوصف. ومع ذلك، فإن المأساة التي تتكشف أمام أعيننا ليست حتمية. إنها نتيجة عقود من الإقصاء والتفاوت الاقتصادي والتدهور المؤسسي. وهي أزمة لا يمكن، ولن تُحل، بقوة السلاح.
لا حل عسكري لحرب السودان. إن استيلاء الجيش مؤخرًا على القصر الرئاسي في الخرطوم، وإن غيّر المشهد التكتيكي، إلا أنه لا يُغيّر شيئًا من الحقيقة الجوهرية المتمثلة في أنه لا يمكن لأي طرف تحقيق نصر حاسم دون إلحاق خسائر فادحة بالسكان المدنيين. إن إطالة أمد الصراع لن يؤدي إلا إلى تعميق المعاناة وترسيخ الانقسامات. علاوة على ذلك، ثمة خطر حقيقي ومتزايد من تجزئة السودان وفق خطوط تُمليها المصالح المتضاربة.
إن القوة الوحيدة القادرة على الحفاظ على وحدة السودان ومنع تفككه هي حكومة ديمقراطية بقيادة مدنية تُمثل جميع أبناء الشعب السوداني. لقد أثبت تاريخ السودان الحديث أن الانقلابات العسكرية والحكم الاستبدادي لا تُفضي إلى سلام أو استقرار دائمين؛ بل إنها تُمهد الطريق لصراعات مستقبلية. لا يمكن تحقيق السلام الحقيقي إلا من خلال تسوية سياسية تفاوضية تُعالج الأسباب الجذرية للحرب.
إن عواقب هذه الحرب بدأت تتجلى بالفعل خارج حدود السودان. فقد أدى الصراع إلى تفاقم عدم الاستقرار الإقليمي، مما أدى إلى انتشار الأسلحة والنزوح عبر الحدود والاضطرابات الاقتصادية في الدول المجاورة. تُكافح تشاد وجنوب السودان لإدارة تدفق اللاجئين، بينما يتعرض التعاون التجاري والأمني الإقليمي لضغوط. إذا تُركت حرب السودان دون حل، فإنها تُخاطر بأن تصبح أزمة أوسع نطاقًا، تُهدد استقرار منطقة هشة أصلًا.
يُمثل الاجتماع المُرتقب لوزراء الخارجية في لندن لمناقشة الوضع في السودان فرصةً نادرةً وحاسمةً للعالم لتكثيف جهوده. أُرحّب بهذه المبادرة البريطانية، التي تُظهر قيادةً مُلحّةً في لحظةٍ محورية. يجب أن يكون هذا الاجتماع نقطة تحوّل – لحظةً يتجاوز فيها المجتمع الدولي التعبير عن القلق نحو عملٍ جماعيٍّ ملموس. لا يُمكن للعالم أن يُدير ظهره.
أحثّ الاجتماع الوزاري على اعتماد خطة عمل لندن للسودان، التي تتضمن الخطوات الحاسمة التالية. أولاً، يجب على المجتمع الدولي تأييد مبادئ القيادة المدنية كأساسٍ لأي عملية سلام في السودان، ومعارضة أي ترتيبٍ يُرسّخ الحكم الاستبدادي، أو يُسهّل عودة النظام السابق، أو يُساهم في تجزئة السودان. يجب ألا نسمح للسودان بأن يُصبح حاضنةً للإرهاب الدولي ومصدراً للهجرة الجماعية غير المسبوقة.
ثانياً، يجب أن تُشكّل القمة مجموعة اتصالٍ رفيعة المستوى مُكلفةً بدعم وتنسيق الجهود الدولية من أجل السلام في السودان. ينبغي على هذه المجموعة حثّ جميع أطراف النزاع على الالتزام بوقف إطلاق نار إنساني فوري وغير مشروط، بما يضمن وصول المساعدات الإنسانية دون قيود وحماية المدنيين.
من الضروري أن يُحفّز مؤتمر الأسبوع المقبل على مزيد من النقاش. ينبغي عقد مؤتمر دولي للتعهدات يهدف إلى معالجة فجوة التمويل الإنساني التي حددتها الأمم المتحدة، ووضع إطار لإعادة إعمار السودان. ويجب إشراك الجهات الفاعلة المدنية بفعالية في تصميم هذا المؤتمر لضمان عملية شاملة ومستدامة تعكس أولويات واحتياجات الشعب السوداني.
ينبغي على مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عقد جلسة مشتركة لوضع تدابير ملموسة لحماية المدنيين بما يتماشى مع القانون الإنساني. كما ينبغي على الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية)، وهي تكتل تجاري لشرق أفريقيا، عقد اجتماع تحضيري مدني شامل بقيادة سودانية لتحديد هيكل عملية سلام شاملة تعالج الأسباب الجذرية للصراع.
لقد أثبت لنا التاريخ أن الحروب لا تنتهي بمجرد الإرهاق؛ بل تنتهي عندما تُجبر الإرادة السياسية والدبلوماسية والعمل الجماعي على شق طريق نحو السلام. يقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية دعم السودان في هذه اللحظة، ليس بمبادرات رمزية، بل بجهود جريئة تُمكّن المدنيين وتُزوّدهم بالأدوات اللازمة لاستعادة وطنهم. إن حرب السودان ليست مجرد أزمة سودانية، بل هي اختبار لالتزام العالم بالسلام والديمقراطية وحماية الحياة البشرية..
التعليقات