ما يخشاه كثيرون في مسيرة إعادة إعمار السودان ليس الفقر، بل أن نقع في فخ التقدم المادي الذي يغفل جوهر الإنسان. فالتقدم لا يُقاس بحجم الثروات ومؤشرات النمو الاقتصادي وحدها، بل بمدى أصالة الإنسان وقيمه. إننا نواجه خطرا حقيقيا بتحويل نموذجنا إلى “الإنسان الاقتصادي” الذي لا يرى في الحياة سوى معادلة مكسب وخسارة.
هذا الأمر ليس جديدا، بل هو جوهر تحذير نبوي عظيم. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلكَكم كما أهلكتهم”.
هذا الحديث ليس تحذيرا من الغنى، بل من التنافس المدمر الذي يجرنا إلى التخلي عن قيمنا وأخلاقنا من أجل اللحاق بركب مادي لا نهاية له.
إن هذا هو فخ “العولمة المادية المتطرفة” التي تجعل من المادة المحرك الأول لكل فعل، وتُحوّل المجتمعات إلى نمط حياة استهلاكي يسحق الهوية والأصالة. إذا كان التقدم يعني التنازل عن إنسانيتنا وقيمنا، فهو ليس تقدما بل هلاك.
إن مهمة المسؤولين عن إعادة الإعمار في السودان تتجاوز بناء الحجر وتشييد البنية التحتية، بل يجب أن تضع بناء الإنسان السوداني في صميم أولوياتها. علينا أن نبني مجتمعا يقدّر القيم الأصيلة، ويوازن بين ضرورات التنمية المادية وأصالة الروح الإنسانية. عندها فقط يمكن أن يكون التقدم حقيقيا ومستداما.

التعليقات