بسم الله الرحمن الرحيم

بعد خمسين عاما بوسع “بروش” أن يصل في الموعد المضروب

بضعة وثلاثون فتى من شباب الاتجاه الإسلامي كان عداد المشاركين عملية 1976 العسكرية تحت القيادة السياسية للجبهة الوطنية برئاسة السيد الصادق المهدي والقيادة العسكرية للضابط المشهور بكفائته محمد نور سعد. ” بروش” واسمه الحقيقي محمد الفاتح عثمان من أوائل الذين انخرطوا في تلكم العملية التنظيمية الحساسة وللحقيقة، فالغالبية الغالبة من شباب الإسلاميين تؤمن بنظام الحكم الديمقراطي وسيلة لبلوغ السلطة، لذلك لم تكن لديهم أزمة ضمير في المشاركة في تلك العملية، خاصة وأن المشاركين فيها معظمهم من حزب الأمة.
فشلت العملية، وصار الأمر الآن تاريخا وذكرى، لكن ما تركته تلك الأحداث أكبر من أن تحيط بها ديباجة صغيرة كهذه. أضخم عمل سياسي تم بعد تلكم الأحداث كان المصالحة الوطنية، وهي الفترة التي نشطت فيها القوى الحزبية وسعت لجبر الكسور التي خلفتها فترة المعارضة والمناقرة مع حكومة نميري. وكانت الحركة الإسلامية أكبر المستثمرين في إنشاء تنظيم سياسي مدني قوي والاستعداد للانتخابات التي كان قد وضح أنها ستقوم في موعدها بعد عام واحد فقط من الانتفاضة التي أنهت حكم الرئيس نميري.
أهم حدث تال كان له أثر مصيري على الحركة الإسلامية كان ثورة الانقاذ الوطني التي اكتسبت ثقلها وفاعليتها من أنها جاءت بمفاهيم ووسائط عمل جديدة تجاوزت القديم. ثورة الأنقاذ راكمت مخزونا عمليا ونظريا ضخما وأعدت آلافا من الكوادر المؤهلة في المجالات شتى.
على شاكلة محمد الفاتح عثمان “بروش” ترى صورة الشاب القيادي المؤهل الفاعل المتدين، أو قل هكذا كان الرجاء. كنت فقط أعلم أنه من دارفور.
لا أذكرتحديدا متى وكيف استقر هذا النداء المميز الذي أطلق عليه ” بروش“ قبل حوالي خمسين عاما، لكني عرفت قريبا من القانوني الضليع الأخ احمد كمال الدين ان الراجح في اطلاق التسمية هو نسبة لبلدته الاصل (ام بروش من اعمال ام كدادة) بشرق دارفور التي عرف عن اهلها التدين الشديد والاسهام بإعداد البروش للصلاة، فذلك الجيل من الإسلاميين غلب عليهم التدين والالتزام بالشعائر.
من الناحية الشخصية تعرفت على الأخ بروش قبل أحداث 76. عرفته من النشاط السياسي والتربوي المكثف الذي جرى من خلاله إعدادنا ونحن طلابا بالجامعة. جمعت بيننا صداقة وقربي، ويرجع الفضل في ذلك له فقد كان دمثا ومتواضعا وحفيا. في الفترة المؤدية إلى أحداث 76 كنا نلتقي في أنشطة تجمعنا، وامتد ذلك إلى ما بعد 76 ثم الإنقاذ.
قبل يوم أمس قتل الأخ بروش مدافعا عن حرمة داره على يد الجنجويد -ذلك الجراد القاتل- ونقصت أمة الإسلام رجلا داعية كان يشهد الشهادة ويؤدي الفرائض والواجبات، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة. رحمه الله رحمة واسعة وأزال عنا الكرب والبلاء.

غازي صلاح الدين العتباني
الاثنين 4 مارس 2024

التعليقات