ومن غير ليه..
فما من شيء (مباشر) اليوم..
أو ما من شيء ذي صلة بالسياسة…ولا الدولار…ولا معاش الناس…ولا (خلوة) الوزاري..
ولا – أيضاً – تدابير (بعض) العسكر للإنفراد بالأمر..
دافعهم إلى ذلك – طمعاً ذاتياً أو حرصاً وطنياً – استهتار حكومتنا بالحكم… والمحكومين..
هكذا قدَّرنا ؛ طوعاً…أو كرهاً…أو مللاً..
ولكن شيئاً ما – بعيداً عن ذلكم كله – طرق عقلي على حين غفلة منه..
أو على حين انتباهة من تلقائه إلى أغنية عابرة للأجواء – والأنسام – لا يدري مصدرها..
أغنية لملك الأغنية الشعبية محمد أحمد عوض..
فتذكرت أغنيات شبيهة لها مضموناً ؛ ومختلفة عنها شكلاً..
أغانٍ تفوق حزائنية أغانينا حزناً ؛ حان الزفاف…في الليلة ديك….وأخريات مثلهما..
أما التي سبب خاطرتنا هذه اليوم فاسمها القسمة..
فأغنياتنا في غالبها حزينة ؛ ولكن هذه – ومثيلاتها – تشتط حزناً…وألماً…وشجناً… ودمعاً..
وما ذاك إلا لأن باب الأمل قد أُغلق تماماً..
فالتي يُغنى لها باتت الآن بعيدة المنال ؛ وحظي بها من لم يهدها مقطع غناء واحد ربما..
وقد سألت مرةً شاعراً حزيناً – وملهماً للحزن – عن سبب حزنه المقيم..
فأجاب بأن الأمر مقدرٌ – وقسمة – وليس بيده..
ولو كان أمر قلبه في عقله لما عشق – أصلاً – من بعد (الصدمة) الأولى…وسماها
(شاكوشاً)..
أو – على الأقل – لما عشق من لا تبادله عشقاً بعشق..
أو من تعشقه بدورها ؛ ولكن الأقدار تسوقهما معاً نحو طريق مسدود..
ثم استدرك قائلاً وهو يتبسم : إن قُدر لي أن أسعد – لا أشقى – لما كنت اليوم الشاعر
(فلاناً)..
ولما كان شعري – يقول – بات مصدر عزاء لكثيرٍ من المصدومين..
ثم ختم رده على سؤالي بسؤال زاد من بسمته : هل كنتم ستسمعون بالمجنون إن نال ليلى؟..
فطرق عقلي طارقٌ آخر من بين حُجب الماضي…من وحي المجنون هذا..
حُجب – أو أبواب – الماضي البعيد ؛ من أيام دراستنا الثانوية..
فأبصر على لوحة الذكريات زميلٌ لنا – في حصة الأدب العربي – يتمايل طرباً وهو ينشد..
فقد كان بنفسه – وصوته – معجباً..
فطفق يردد – منتشياً – مع إيليا أبي ماضي : كم فتاة مثل ليلى…وفتى كابن الملوح..
فأفاقه من نشوته هذه – أوسكرته – صوت الأستاذ وهو ينتهره..
والسبب ؛ نطقه لاسم الملوح كما تُنطق مفردة (الملوحة)…ونص النهرة : ملوحة في عينك..
ولكن عينه هذه امتلأت – بعد ذلك – بمن كان يرها تملأ العين..
ثم دمعت – حين (لحق) بصاحبه ابن الملوح هذا – كما تدمع عينا شاعرنا الحزين (فلان)..
وكما تدمع أعين شعرائنا عموماً ؛ فتجود بغناء حزين…ذي أنين..
فلماذا كل الحزن الأليم هذا في غنائنا؟..
ولماذا إن حان زفاف إحداهن…أو قسمتها…أو ليلتها ديك…نحس بأنها نهاية المطاف؟..
بل ونهاية الدنيا؟..
ونحن الآن لن نحس بأنها نهاية الدنيا – والمطاف – إن فشلت حكومتنا في (العبور)..
ولن نغني – بأسى – مع زيدان والتجاني حاج موسى:
ليه كل العذاب…..ليه كل الألم؟..
ليـــــــه ؟!.