:: كالعهد به دائماً في كل عام، وفي كل حكومة، فالاستثمار موعود بقانون جديد.. إذ قالت وزيرة المالية المُكلف هبة محمد علي بأن البلاد تخطو نحو تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، وذلك بتنفيذ خطة تنموية تشمل مشاريع البنية التحتية والإنتاج، مع إصدار قانون استثمار جديد لجذب الشركات العالمية للاستثمار في السوق السوداني الواعد.. وعليه، فالقانون الجديد، الموعود به الاستثمار، يُعد السابع في الترتيب خلال العقد والنصف الأخير..!!
:: ولن يكون القانون الأخير، لأن العقول الاقتصادية النيرة في بلادنا، وفي كل الحقب الحكومية، دائماً ما تجتهد في أن تجود للمستثمرين بمعدل قانون جديد كل ثلاث سنوات تقريباً.. والمدهش في قوانين الاستثمار هو أن كل قانون يحتفظ بصفة الجديد حتى لحظة الإلغاء، ثم يصبح قديماً بعد إجازة (قانون جديد).. ولأن التطوير والمواكبة من طبيعة الأشياء، فإن تشريع أي قانون جديد – في أي قطاع – يعنى أن هناك تطويراً ومواكبة..!!
:: ولكن للأسف، فإن قوانين الاستثمار – التي يتم تجديدها بين الحين والآخر- مخالفة لطبيعة الأشياء، وأن موادها – كما أصنام الجاهلية – لا تحرك ساكناً في قطاع الاستثمار، ولا تحدث تطويراً في هذا القطاع، ولا تحل أزمات المشاريع والشركات، وهذا يعني أن العلة ليست في القوانين، بل في المناخ العام والإرادة السياسية.. مع القوانين، فإن الاستثمار بحاجة إلى تحسين بيئته، ومن تحسين بيئة الاستثمار الكف عن التصرفات (السالبة)..!!
:: (رأس المال جبان)، أي بحاجة إلى ملاذ آمن، فلا ترهبوه بالأفعال المُرعبة.. وليس هناك أبشع ترهيباً مما يُرتكب باسم العدالة حالياً، وهو التشهير بالمستثمرين من منصات حكومية، ثم حظر حساباتهم المصرفية وحظرهم من السفر، ليس بالأحكام القضائية، ولكن بواسطة لجنة اعترف أعضائها بأنها (لجنة سياسية).. تعاملوا مع الساسة باللجان السياسية، ولكن التعامل مع المستثمرين يجب أن يتم بدولة العدالة التي أهم أركانها (المحاكم)..!!
:: المستثمر ليس ملاكاً، فيهم من يفسد، وفيهم من يُخطئ، ولأجل هذا وذاك تم تأسيس الشرطة والنيابات والمحاكم.. وفي تجاوزات المستثمرين ذات صلة بالحق العام، فالأفضل أن يُساق المتجاوزون إلى النيابات ثم المحاكم، بدلاً من الإساءة والتشهير، وكأن الغاية هي التشفي والانتقام وليس تحقيق العدالة واسترداد الحق العام.. إلغاء العقود ونزع الأسهم – بجرة قلم – وبلا تحقيق ومقاضاة ليس عدلاً، ولا من علامات المناخ الاقتصادي المعافى..!!
:: يُقال إن أحمقاً أخصى نفسه لينتقم من زوجته، ومن الحماقة أن يُرسل نظام الحكم كل هذه الرسائل السالبة للعالم بمظان الانتقام من بعض المستثمرين، بيد أنه – في حقيقة الأمر وواقع الحال – ينتقم من نفسه واقتصاد البلد.. فالقرارات والأحكام في قطاع الاستثمار، وإن كانت صائبة، ما لم تخرج بشفافية تحمل (الحيثيات)، وعبر المحاكم، فإنها تثير الرعب في أوساط المستثمرين، بالداخل والخارج..!!
:: لتفشي الفساد وسوء الإدارة، ظل الاستثمار السوداني يتسرب إلى إثيوبيا طوال سنوات الحكومة السابقة.. وهناك تجاوز حجم الاستثمار السوداني (3,4 مليار دولار)، وتم تصنيف السودان كثاني أكبر استثمار أجنبي في إثيوبيا بعد القوى العظمى (الصين)، وذلك بعدد (317 مشروعاً).. فقدت البلاد كل هذه الأموال بسبب تفشي الفساد وسوء الإدارة.. ومن سوء الإدارة ألا يكون الحكم القضائي هو الفيصل..!!
الطاهر ساتي - اليكم
كاتب صحفي سوداني صاحب عمود يومي ينشر على صحيفة الصيحة